النعــــي الممنــوع والنعي المشروع
بقلم مدير التحرير :
محمود غريب الشربيني
الحمد للَّه ، والصلاة والسلام على رسول اللَّه ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. وبعد :
فإن معنى النعي كما ورد في (( لسان العرب )) :
يقال : نعي الميتَ ينعاهُ نعيـًا ونَعِيـًّا : إذا أذاعَ موتهُ وأخبرَ به ، وإذا نَدَبَهُ . اهـ .
ومن هذا قال بعض العلماء : للنعي معنيان :
الأول : الإخبار بموت الميت .
الثاني : ندبه والبكاء عليه .
أما عن المعنى الأول : وهو الإخبار بموت الميت : إذا تتبعنا الأحاديث والآثار حول هذا المعنى ، نجد أن منه الممنوع الذي نهى الشرع عنه ، ومنه المشروع الذي فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم .
الممنوع من الإخبار بموت الميت :
وهو ما كان صورته كنعي الجاهلية .
ففي (( لسان العرب )) ( 7/4486 ) : وكانت العرب إذا قُتل منهم شريفٌ أو مات بعثوا راكبـًا إلى قبائلهم ينعاه إليهم ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
وقال الجَوْهَرِيُّ : كانت العرب إذا مات منهم ميتٌ له قدرٌ ركب راكبٌ فرسـًا ، وجعل يسير في الناس ويقول : نَعاءِ فُلانـًا ؛ أي أنْعَهُ وأَظْهِرْ خبرَ وفاتِه . اهـ .
وقال ابن حجر في (( الفتح )) ( 3/116 ) : إنما نُهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه ، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق .
ويشبه نعي الجاهلية في هذه الأيام :
1- أن يركب الناعي سيارة وينادي في مكبرات الصوت ، ويدور في الشوارع والحارات ، يعلن عن موت الميت ، وهي أقرب الصور لنعي الجاهلية .
2- الإعلام في مكبرات الصوت في المساجد ، وقد ذكرها الشيخ الألباني – حفظه اللَّه – في كتابه القيم (( أحكام الجنائز وبدعها )) .
3- النعي عن طريق الجرائد والمجلات ، لما فيه من مشابهة نعي الجاهلية في الفخر بالأحساب والأنساب والمناصب ، ولما فيه من التأخير عن مقصود الإعلام ، وهو تشييع الجنازة والصلاة عليه .
قال الترمذي في (( سننه )) تحت حديث حذيفة : والنعي عندهم أن ينادى في الناس ، بأن فلانـًا مات ليشهدوا جنازته .
4- الإعلام برفع الصوت أو النياحة ، وهي أفعال محرمة في نفسها ، كما سيأتي .
نقل ابن حجر قول ابن العربي قال : قال ابن العربي : يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات :
الأولى : إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح ، فهذا سنة .
الثانية : دعوة الحفل للمفاخرة ، فهذه تكره .
الثالثة : الإعلام بنوع آخر كالنياحة ، ونحو ذلك ، فهذا يحرم . اهـ .
وأما عن المشروع من الإخبار بموت الميت :
الصورة الأولى : إخبار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صحابته بموت الأمراء الثلاثة :
روى البخاري وغيره عن أنس ، رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرُهم ، فقال : (( أخذ الراية زيدٌ فأصيب ، ثم أخذها جعفرٌ فأصيب ، ثم أخذها ابنُ رواحةَ فأصيب – وعيناه تزرفان – حتى أخذ الراية سيفٌ من سيوف اللَّه ، حتى فتح اللَّهُ عليهم )) . وفي رواية أحمد : ( .. ثم إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صعدَ المنبر وأمر أن يُنادى : الصلاةُ جامعةٌ .. ) .
وفي هذا الحديث جواز الإخبار عن موت الميت لمن هو مع المُخبر في مكان واحد بعد جمعهم بـ (( الصلاة جامعة )) .
الصورة الثانية : إعلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي :
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه : إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نعى للناسِ النجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه ، قال : فخرج بهم إلى المُصَلَّى ، وكبر أربع تكبيراتٍ .
وفي هذا الحديث جواز الإخبار عن موت الميت بعد جمعهم عند الصلاة عليه .
الصورة الثالثة : أمره صلى الله عليه وسلم
بإعلامه بموت الميت :
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس ، رضي اللَّه عنهما ، قال : مات إنسانٌ كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعودُهُ ، فمات بالليل ، فدفنوهُ ليلاً ، فلما أصبحَ أخبروهُ ، فقال : (( ما منعكم أن تُعلموني ؟ )) قالوا : كان الليلُ فكرِهْنا – وكانت ظُلمةٌ – أن نشُقَّ عليك . فأتى قَبَرهُ فصلَّى عليه .
وهذا الرجل مخالف لقصة المرأة التي كانت تقم المسجد ، وأنها أم محجن ، أما الرجل فكان اسمه طلحة بن البراء بن عمير البلوي حليف الأنصار .
وقد ذكر ابن حجر ( 3/118 ) رواية الطبراني من طريق عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن حسين بن وحوح الأنصاري : أن طلحة بن البراء
مرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال : (( إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فآذنوني به وعجلوا )) . فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتى توفي ، وكان قال لأهله لما دخل الليل : إذا مت فادفنوني ولا تدعوا
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أصبح ، فجاء حتى وقف ع


