المعنى السياسي
(في تنفيذ حدود الله)
بقلم الأستاذ: إبراهيم إبراهيم هلال
(1) في تنفيذ قطع يد السارق
الآن وقد وضح الطريق، واختطت دولة العلم طريقها المستقيم، صعدًا نحو مجد يليق بأمة العرب والإسلام، واتجهت إلى أن تجعل الشريعة الإسلامية مصدر القوانين والتشريعات مدنية وجنائية، وترد أمرها إلى الكتاب والسنّة ، يجمل بنا، أن نلقي ضوءا على الحدود في الشريعة الإسلامية، وما يتصل بتنفيذها من معنى سياسي، يتصل بمجد الأمة وسيادتها ونبدأ بحد قطع يد السارق فنقول:
أولاً: فيما يتصل بقطع يد السارق:
لقد لهج كثيرون بأن قطع يد السارق يتنافى مع المدنية الحاضرة أو مع حضارة القرن العشرين، وأن في قطع يد السارق أيضًا حرمانًا للمجتمع من عمل أكبر مجموعة من الناس، ثم يصلون من وراء ذلك إلى عدم مسايرة الإسلام للعصر بسبب هذا القانون.
ونقول لهؤلاء: أي مدنية تلك التي تحتضن السارقين والمروعين للأمن وهل يجوز في منطق التحضر والتطور ومنطق العصر أن نسمي هذه المدنية مدنية؟!! إن معنى التحضر، والتمدين، هو البلوغ في الأمن والطمأنينة درجة يستطيع معها الناس أن يسيروا آمنين، وأن يبيتوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وكلما فشا الأمن واستتب في الأمة، كلما وصفت الأمة، بأنها أرقى وأكثر مدنية. ونحن لا نستطيع أن نميز المجتمع المتمدين، عن المجتمع الهمجي أو المتوحش إلا بهذه الخاصية.
وقد مرت البشرية من أول الخليقة إلى الآن بتجارب متتالية، تؤكد أنه لا علاج للقضاء على السرقة، إلا بقطع اليد، وجاءت الأديان بذلك من قبل، فقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد). وفي رواية : (وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه)، بل إن هذا الحكم قد جاءت به الشرائع الوضعية في بعض الأوقات، فنجد في كتاب الهندوس المقدس (منوسمرتي) في باب قضايا السرقة مادة (32) إذا كان المسروق: خمسين (بل)، يعاقب السارق بقطع اليد. فهذه هي الشريعة الهندية التي هي من وضع البشر، وهي من أقدم الشرائع الوضعية في العالم، ومع ذلك فقد فطن واضعوها، إلى أنها لن تعتبر شريعة منتجة إلا إذا قامت قوانينها على ما يفيد ويجدي، وينفع المجتمع ويثبت للناس صلاح هذه الشريعة. كما قد رأى واضعو هذه الشريعة أن حياتهم لن تكمل، وملكهم لن يستتب إلا بتنفيذ مثل هذا القانون والعمل على استقرار الأمن بذلك.
فقد جاء في أول مادة من مواد قضايا السرقة: على الملك أن يشدد العقاب على اللصوص، لأن الملك الذي يفعل ذلك تذيع شهرته ويعتز ملكه.
فإذا جاء شرع الإسلام بقطع يد السارق فليس هذا ببدعة في تاريخ الأديان، ولا في تاريخ الشرائع، وإنما هو العلاج الذي أجمع عليه بعد أن مرت البشرية بتجاربها، ووصلت إلى المرحلة التي مرت فيها بكل لون من ألوان الحضارات، وكل دين من الأديان. بعد أن نضجت عقليًا وفكريًا واجتماعيًا، وأصبحت جديرة بأن تحيا حياة النور والأمن، وتترك شريعة الهمج والرعاع، وتصل إلى النضج الكامل الذي تعيش فيه في الأمن والاستقرار، وتتفرغ للعمل عالميًا لكل ما ينتج ويفيد، أي تصل إلى التمدين الحقيقي. ولذلك كان مجيء الإسلام، في وقته.
فبعد أن تهيأت البشرية إلى أحدث القوانين، وأجد التشريعات واشتاقت إليها، وتمنت الخلاص على يديها، إذا بالإسلام بتشريعاته وقوانينه، منقذًا للبشرية بتشريعاته، فأحدث ما تكون التشريعات وأجداها وأوفقها، ولذلك كان حقًّا ما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
أخوك عيسى دعا ميتًا فقام له
وأنت أحييت أجيالا من الرممِ
فشريعة الإسلام هي آخر (موديل) في تاريخ الشرائع بلغة حماة الموديلات ومن يسمون أنفسهم عصريين. ولننظر في تاريخ الأمن في الجزيرة العربية، قبل الإسلام وبعده أو قبل قطع يد السارق وبعده.
كلنا يعرف أن الأمن كان مضطربًا في الجزيرة العربية، وأنه ليس من المأمون أن يترك الشخص، أو تترك الأسرة حراسة نفسها، إلا أغير عليها، وسلبت منها الأموال إن لم يكن الأطفال والنساء. وكانت هذه الإغارات رغم هذه الحراسة الفردية لا تفتر ولا تنقطع، فإذا حانت للمغير فرصة غفلة أو ضعف من الفرد، أو القبيلة التي يريد المغير سلبها، لم يتردد في السطو والنهب والأسر وكان الباعث على ذلك أحد أمرين: إما حب البطولة والتلصص، وإظهار للقدرة الفنية في الكر والفر والفخر بذلك، وإما الحاجة والفقر، نظرًا لأن المجتمع لم يكن مجتمع تعاطف وتراحم، فلم يكن الغني يعطف على الفقير أو يعينه رغم ما اشتهر عنهم من كرم، فقد كان الكرم عندهم يتمثل في الجود على الأغنياء، وإتلاف المال في شرب الخمر ، وعلى النفس وعلى الصحاب الفاسدين المفسدين. أما الفقير فكان محتقرًا ومهانًا، لا يرى منهم سعة، ولا معونة، ولذلك انقلب عليهم مُغِيرًا ومهددًا للأمن ومروعًا له.
فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهم على هذا الوضع، شرع كعلا