المعنى السياسي
في دعوة الإسلام المرأة إلى الاحتشام
للدكتور : إبراهيم هلال
دكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة القاهرة
إن سعادة الفرد وهناءته هي ما تدور عليه دعوة الإسلام في كل أمر يأمر به أو نهي ينهى عنه أو عمل محبب يرغب فيه . فإذا دعا الإسلام إلى وجود عزة وقوة للمسلمين كما قال : { وللَّه العزة ولرسوله وللؤمنين } ، فإنما يقصد بذلك أن تنعكس هذه العزة على أفراد الأمة فردًا فردًا حتى يعيشوا في أمان وفي بحبوحة من العيش ، وعز من السلطان .
وطبيعي أن سياسة الإسلام في كل أمر ونهي إنما هي تخطيط للوصول إلى المجد ورسم لطرق العزة والرفاهية .
ولننظر معًا كيف أن احتشام المرأة في الإسلام والتزامها الحجاب معنى سياسي إلى جانب كونه معنى دينيًا واجتماعيًا .
ذلك أن الإسلام ينظر إلى المرأة ووجودها في المجتمع من زاويتين :
الزاوية الأولى أنها أم وربة بيت كما قال الرسول ( : ” والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها ” . وهنا تكمن الأهمية الخطيرة للمرأة ، ولذلك أمرنا الرسول ( بحسن اختيارها فقال : ” فاظفر بذات الدين تربت يداك ” .
فهي راعية ورعايتها أكثر ما تنصرف – حسب العرف وما تواضع عليه الناس من بدء الخليقة – إلى أولادها . فإذا كانت أمًا صالحة ، شب أولادها على الفضيلة والعفاف والتقوى وهنا تجدنا أمام مجتمع مسلم بمعنى كلمة الإسلام . وإذا كانت غير ذلك فإن أبناءها سيخرجون حتمًا إلى المجتمع ، بكل صنوف الشرور والآثام . وبكل سلبية أمام قضايا الدين والوطن .
فنحن لا نتصور أن امرأة متهتكة قد نبذت الحجاب الإسلامي ، وتزيت بزي الجواري والإماء تستطيع أن تقدم للأمة أبناء أحرارًا ، أو رجالاً ذوي خشونة وشهامة وغيرة على الوطن والدين . وكيف وقد كشفت من جسمها للناظرين ما هو في حكم الدين وشريعة العقل عورة لا ترضى امرأة حرة ذات أصالة وإباء أن تبرزه لغير زوجها ؟ كيف تنزل إلى هذا المستوى وتقدم نفسها منظرًا مثيرًا لكل فرد وصورة ترى أنها فاتنة للرجال ثم تقدم للمجتمع ابنًا متدينًا أو فيه ذرة من الخلق والفضيلة أو الرجولة .
إنها لا تنتج إلا جيلاً متميعًا ، مهما أخذته الدولة بأساليب التربية ومهما قدم له المربون والوعاظ – إن استمع إلى المربين أو ارتاد أماكن الوعظ والإرشاد فلن يكون منه إلا التميع والسلبية والإضراب صفحًا عن قضايا الدين والوطن ولن يكون إلا أداة مدمرة لكل مقدسات الأمة الإسلامية ، ومعول هدم ، لا أداة بناء .
خطب معاوية بن أبي سفيان مرة في مسجد المدينة فتناول قصة من شعر ( وهي ما يسمى بالباروكة اليوم ) ، وكانت في يدي حرمي ( شرطي ) فقال : يا أهل المدينة أين علماؤكم . سمعت النبي ( ينهى عن مثل هذه ويقول : ” إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم ؟ ” .
فهذه إشارة من رسول الله ( إلى أثر المرأة في المجتمع وأنها إذا انحدرت إلى ما نراه اليوم فإن الهلاك والخذلان لا بد وأن ينزل بالأمة ، كما نزل ببني إسرائيل من قبل .
الهلاك ينزل بالأمة لأنها حرمت جهود المرأة كأم صالحة أو كراعية شفوقة على بنيها وأولادها أمينة مخلصة في هذه الرعاية وهذه هي الزاوية الأولى التي نظر الإسلام إلى المرأة منها .
والهلاك ينزل بالأمة لأنها تنتقل من جديتها إلى ميوعة وتخنث ، ذلك لأن المرأة أصبحت صورة إغراء ومبعث تحلل واختلطت بالرجل في زي الأمة فشغل بها عن مهمته فخمدت فيه النخوة وبردت فيه الوطنية ، طالبًا في الجامعة ، وموظفًا في الديوان ، وسائرًا في الطريق فكيف لا تهلك كما هلك بنو إسرائيل .
إن الأمر جد ، وإنه مصير كل فرد ، وإن الأولى لنا أن ننظر إلى احتشام المرأة وحجابها فنفعله ونتمسك به وأن نستمع إلى قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } ، وقوله : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ } ، فتدني من الجلابيب وتغطي من الرؤوس والصدر { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } أي : لا يظهرن إلا ما لا يمكن ستره لضرورات السير والحركة حينما تدعو الضرورة إلى السير والحركة في حدود إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله والتخلق بالخلق الإسلامي المحض وهذه هي الزاوية الثانية التي نظر الإسلام منها إلى المرأة وطالب بضرورة عفافها وحجابها واحتشامها وأن ذلك ضرورة المجتمع لإقامة المجتمع السليم والأمة القوية .
في مطلع هذا القرن حيث رأت إحدى الكاتبات الإنجليزيات أن الحضارة الأوربية قد جنت على المرأة بما أملته لها في حياة التحلل والسفور . وأنها بذلك صارت بائسة شقية في مجتمعها ،