المعجزات
وعدم خضوعها للقوانين العلمية
للدكتور إبراهيم هلال
[ ردًّا على رأي الدكتور مصطفى محمود في المعجزات
كما أورده في مقالاته في مجلة ( صباح الخير ) المصرية
وفي كتابه ( حوار مع صديقي الملحد ) ، وكذلك
رد على رأي الأستاذ أحمد زين ]
فقد جاء أيضًا في يومياته في ( الأخبار ) يوم الجمعة 3 يناير في فقرة حديثه عن معجزات الأنبياء ما يفيد أن المعجزة لها سنن علمي ، إلا أن الرسول بها قد سبق زمن تحقق هذا السنن العلمي ، وأن الله سبحانه وتعالى قد كشف له تلك المسافة الزمنية المستقبلة ، وأطلعه على تلك السنن العلمية أو القوانين التي أودعها الله في الكون ومظاهره قبل ميعاد تحققها بآلاف السنين ، وأن هذا هو وجه الإعجاز فيما أجراه الله على يد الأنبياء من معجزات .
وأستأذن الأستاذين الفاضلين في التعقيب على ذلك فأقول : إن العلماء المسلمين جميعهم عقليين ونقليين ، قدامى ومحدثين قد نظروا في المعجزات وطبيعتها ، وظروفها ، ورأى القرآن فيها ، فوصلوا إلى تعريفها بأنها الأمر الخارق للعادة ، يجريه الله على يد مدعي النبوة تصديقًا له في دعواه .
وعبارة الأمر الخارق للعادة تعطي أن المعجزة لا توجد نتيجة لسنن لعلمي أو طبي ، ولا لقانون في طبيعة الأشياء ، وإلا لم تكن معجزة ولم يكن للرسول فضل فيها على بقية الناس العاديين ، حتى لو طويت له مسافة الزمن مهما كان طولها . فإن القواعد العلمية موجودة كامنة في طبائع الأشياء من يوم أن خلقت هذه الأشياء ، فقد خلقت وخلق الكون ، وخلقت فيهما هذه القوانين والسنن الطبيعية العلمية ، وأعدت ليكشفها الإنسان بعقله وحسه في أي زمن وفي أي وقت ، وتاريخ الحضارات ينبئنا بوجود حضارات قديمة لا يدرى كنهها ، وقد تكون هذه الحضارات قد وصلت إلى الكشوف العلمية الحديثة ، وقد جاء المصريون ، وعلم قدماء المصريين وغيرهم شاهدًا على ذلك .
فالعلم في خواص الأشياء لا يتغير ، وخواص الأشياء لا تتغير ولا تتبدل وكشف هذه الخواص وهذه القوانين هو للعلماء ، وبالأسلوب العلمي ، وليس للأنبياء ؛ لأن الأنبياء لم يأتوا لكي يثبتوا تفوقهم في ميدان الهداية إلى أقوم حياة وأسعدها ، فهم أصحاب شرائع تهدي الناس إلى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم ، ولذلك كان كل همهم موجهًا إلى ما أتوا به من دعوة ومن تشريع عن الله . فلم تكن المعجزات كما جرت على أيديهم تعنيهم في شيء ولم يطلبوها من الله وإنما كان الله هو الذي يجريها على أيديهم دون طلبهم حين يطلبها المعاندون من قومهم من باب تصديقهم أمام هؤلاء المعاندين ، الذين ضاقت أفكارهم وعقولهم عن تقبل الهداية والشريعة ، وذلك كما جاء في سور إبراهيم ( آيات 9 – 11 ) : { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ } .
وحينما طلبت قريش من الرسول ( أن يمطرهم بحجارة أو يأتيهم بعذاب إن كان صادقًا أمره الله أن يقول لهم : { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ } .
وفي آية أخرى يأمره سبحانه بقوله : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } .
فالمعجزة هي التي يجريها الله على يد الرسول بطريقة غير مألوفة ليس لها قانون علمي ، وليست من العلم الذي يكشفه أو سيكشفه أو كشفه الإنسان في شيء ، فالحية التي نتجت من عصا موسى لم تتكرر ولن تحدث في يوم من الأيام وليس هناك قانون ولا قوانين علمية ستحقق ذلك مهما امتد الزمن .
كذلك شق البحر ووجود اليبس بين جبال الماء ليس له قانون علمي ولا قاعدة مطردة ولن يتكرر ذلك علميًا في يوم من الأيام .
وإحياء الله الطير المذبوحة لإبراهيم عليه السلام بعد أن فصل أجزاءها وفرقها على الجبال ليس له قاعدة علمية ولن يصل إلى ذلك الإنسان في يوم من الأيام .
وكذلك إحياء عيسى للميت وإبراؤه للأكمه والأبرص ، فإنه لم يستعمل عقارًا في ذلك ولا دواء ، وإنما هو خلق من الله ، وإجراء منه سبحانه لهذه الأمور على يديه دون أن يتخذ عيسى عليه السلام في ذلك أسلوب العلماء ، ولا أدوات العلماء .
فمن المعروف ومن المسلم به أنه لن يحيى الموتى إلا الله . كذلك من المسلم به أنه لن يعالج إنسان إنسانًا ويذهب عنه المرض والداء العضوي الجسمي إلا بالدواء الحسي فهذه أمور حسية وقوانين العلم والطب لا تتخلف ولا تخرق إلا لنبي .