المرأة في ظل الإسلام
(3)
بقلم: مصطفى برهام
الميراث..
لم يكن للمرأة شيء من الميراث في النظم القديمة، وقد أثبت الإسلام للمرأة – ولأول مرة في تاريخ البشرية – نصيبًا من الميراث في أموال أبيها وزوجها وأخيها (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلَّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا) [النساء: 7].
ولقد ظل نظام الإرث القديم معمولاً به عند ظهور الإسلام، فكان الرجل إذا مات ولم يترك إلا إناثًا آل ميراثه كله إلى أعمامهن، بينما يحرمن هن وأمهاتن ولا يأخذن شيئًا، ولتقرير مبدأ الميراث للمرأة كما يتضح من الآية السابقة قصة، فقد جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد ابن الربيع، قتل أبوهما شهيدًا معك في أحد ، فأخذ عمهما ماله ولم يترك لهما شيئا، وهما لا تتزوجان إلا ولهما مال، فقال عليه الصلاة والسلام (يقضي الله في ذلك) وبعد قليل نزل عليه الوحي بالآية السابقة وبآيات الميراث التالية:
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله إن الله كان عليمًا حكيمًا) [النساء: 11]، فأرسل رسول الله إلى عمهما فقال: (أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقى فهو لك).
على هذه الأسس الحكيمة العادة تقرر في ظل التشريع الإسلامي للبنت نصف ما لأخيها من الميراث، وقد يبدو لقليل الإدراك أن المرأة مظلومة، ولكن بقليل من التأمل يتضح له جوهر العدل في هذا التقسيم، فالبنت إذا بقيت بعد أبيها بدون زواج، فلها نصيبها من الميراث تنفق منه على نفسها، ولها على وليها أن يكفلها إذا لم يكن لها ما يكفيها، فإذا تزوجت، فلها المهر تأخذه، فتضيفه إلى نصيبها دون أن تلزم بالتجهز منه بشيء، ذلك عدا ما ينالها من هدياا الخاطب. أما أخوها فيلزم بدفع المهر من نصيبه إذا تزوج، فضلا عما يقدمه من هدايا يتقرب بها إلى زوجته وأهلها ولذلك لم يكن من العدل أن يسوى نصيب البنت بنصيب أخيها في الميراث، ثم تذهب إلى الزيادة بما تأخذ من المهر والهدايا، ويهبط هو إلى النقصان بما يدفع من نفقات، ثم إذا صارت زوجة، ارتفع عن كاهلها ما كانت تنفقه على نفسها، وأصبح عبء تلك النفقة على كاهل الزوج، فيقوم لها بنفقة المسكن والفراش والطعام والملابس، ولا تلزم هي بشيء من ذلك، أما مالها الذي ورثته، ومهرها الذي قبضته فهو في حوزتها لا ينتقل منه شيء إلى زوجها، وليس لزوجها سبيل إلى شيء منه، فإذا رزقت منه بأولاد فنفقتهم عليه لا عليها، والإسلام يمنع الرجل من الولاية على مال زوجته، ويجعل تلك الولاية لها وحدها، ويعطيها حق التصرف فيه بكل حريتها من بيع وشراء ورهن وإجارة وهبة ووصية وصدقة، ولها أن تخاصم عليه غيرها أمام القضاء، دون أن يكون لزوجها حق التدخل في شيء من ذلك، وهي درجة لم تنل بعضها المرأة الفرنسية إلا منذ عهد قريب، ومعنى هذا أن رياسة الرجل لا تمس أهليتها للملكية، ولا أهليتها للتصرف التام في ماله الخاص على ما تشاء.
وفي الجملة فإن المرأة والرجل على سواء بالنسبة لإدارة كل واحد منهما لماله ولا يكون للزوج أي قدرة على التصرف في مال زوجته إلا بتوكيل حر يكون لها الاخيتار الكامل والرضا التام فيه، ويكون مبناه الثقة بلا ريب، و إن أساء الإدارة كان لها عزله في أي وقت تريد.. وعقد الزواج في الشريعة الإسلامية لا يقتضي ولاية مالية، ولا شركة في المال، ولا وكالة إجبارية أو بحكم العقد؛ لأن العقد في الإسلام لا يقتضي ذلك.
لقد كان ينظر إلى المرأة قبل الإسلام كما أوضحنا قبل ذلك، نظرة تفيض ازدراءً واحتقارا وظلما، فلما جاء الإسلام أكرمها وبالغ في إكرامها بمقدار مبالغة العرب والفرس والرومان في مقتها، وبعد أن كانت المرأة المتزوجة تورث من ابن زوجها، له هو أن يزوجها من غيره إن شاء وأن يرث زواجها من أبيه إن شاء.
جاء الإسلام فمنع ذلك منعا باتًا، وسماه المسلمون تبعًا للقرآن نكاح المقت. فقد قال تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا) [النساء: 22].
وقال أيضًا : (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا) [النساء: 19].
وقد اعتبر الإسلام المرأة الصالحة كنـزًا من كنوز الدنيا وهو السعادة كلها، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : (ألا إن خير ما يكنـز المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته).
ونختم هذا الفصل بكلمة للكاتب الأوروبي جوستاف لوبون من كتابه حضارة العرب: (تعامل المرأة المسلمة باحترام عظيم، وبنبل وكرم