المرأة المسلمة
وشخصيتها في مجتمعها على مر التاريخ
وفضل الإسلام في ذلك على غيره
للدكتور إبراهيم هلال
( 1 )
قبل البدء في الحديث يجب أن نعرف هذه الحقائق:
1- الدين هو الذي يصنع الحياة ولم يجئ إلا لذلك.
2- أن الأمة العربية بخاصة والأمة الإسلامية بعامة ضحية لاتجاهين رجعيين:-
الأول: هو الاتجاه الذي سادها قديمًا، وهو بعدها عن الدين وعدم العمل به، وذلك من عام 350هـ- إلى 1250هـ تقريبًا.
الثاني: هو الاتجاه الأوربي الحديث الذي صاحب المدنية المعاصرة، وهو اتجاه أيضًا مضاد للدين، لأنه نشأ في أوربا بعد أن عزل الدين هناك في داخل الكنائس فقط.
وكان ذلك رد فعل لجمود رجال الدين أيضًا، وعدم تمشيهم مع الحياة وتقديم الدين لخدمة الشعب، وإصلاح الحياة ونظمها وإدراتها.
3- إن الأمة العربية والإسلامية لها شخصيتها المميزة التي تقوم على الخلق الفاضل، ومبادئها الدينية التي لا تتحقق في أي مجتمع آخر.
إذن لا بد من عودة هذه الشخصية.
وبعد هذا أقول إن الحديث عن المرأة وإفرادها بالحديث دون الرجل أمر غريب في الواقع، غريب على الفطرة، أي على الواقع الذي يجب أن يكون، وهو أن يكون الحديث عن الرجل والمرأة على السواء، لأنهما مخلوق واحد وجنس واحد، هو آدم أو الإنسان، ليس آدم أب البشر، وإنما هو آدم الإنسان، الذي اشتمل على آدم وزوجته، والذي قال اللَّه تعالى فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}.
فقضية الرجل والمرأة منذ البدء قضية واحدة، لا انفراد لأحدهما بحديث، ولا اهتمام به دون الآخر، ولا إظهاره بمظهر الغرابة، أو بمظهر المهضوم الحق، أو المتخلف دون الآخر، وإنما قد خلقا معًا خلقًا واحدًا في وقت واحد، زوجين مختلفين ومتحدين في الوقت ذاته {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} فلم تحل الذكورة، ولا الأنوثة، دون الوحدة بينهما أو المساواة، وذلك منذ اللحظة الأولى لخلقهما {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} فالتكليف واحد، والمهمة التي ندبا لها واحدة، وهي تعمير الكون كما قال تعالى: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، والحقوق واحدة.
والحديث عنهما واحد في هذا التكليف، وتلك الحقوق، وفي الثواب وفي العقاب أيضًا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فما دامت مهمة الرجل والمرأة في استعمار الكون واحدة، وقائمة على التعاون بينهما، فليس هناك في الدين فصل بينهما، أو تمييز لأحدهما على الآخر، أو تقديم للرجل على المرأة، وإنما الاثنان أمام المسئولية سواء، وحديث الدين عنهما منذ بدء خلقهما واحد، وعلى أنهما مشتركان في مهمة واحدة، وهي تعمير الكون وإخراجه من بدائيته الأولى التي خلقه اللَّه عليها، إلى ما نراه الآن من أثار الصناعة والعلم والاختراع وما سنراه ممن يخلفوننا في مستقبل الأيام، كما قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرضِ خَلِيفَةً} وهو آدم، أو الإنسان، وكما حكي لنا ذلك على لسان صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}.
وحتى الدعوات على لسان الأنبياء والمرسلين لم توجه إلى الرجل وحده، ولا إلى المرأة وحدها، وإنما خوطبا بها معًا، يا أيها الناس، أو يا أيها الإنسان.
ففي التوراة بعد أن خلق اللَّه الأرض والسموات ( فخلق اللَّه الإنسان على صورته، على صورة اللَّه، ( في الصفات الكمالية من السمع والبصر والعلم ) ( وهذا ما نعتقده في هذه الكلمة إذا كانت صحيحة غير محرفة كما حدث لمعظم نصوص التوراة والإنجيل، ومع مراعاة أن سمع اللَّه ليس كسمعنا وبصره ليس كبصرنا.. الخ كما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ) خلقه ذكرًا وأنثى، خلقهم وقال لهم أثمروا وأكثروا، فملأوا الأرض وأخضعوها ) الإصحاح الأول سفر التكوين.
فالحديث عن المرأة وحدها، أو عن الرجل وحده حديث فيه غرابة، ويعنى بحق أننا بعدنا كثيرًا عن الفطرة، وعن الواقع، بإفراد الرجل أو المرأة بالحديث أحدهما دون الآخر.
ومفتاح ذلك هو أن حارة الشرق ( والعزب ) قد خمدت في الوقت الذي بدأت فيه حضارة الغرب في الازدهار، فلم يكن للشرق في بدء نهوضه طريق إلى الحضارة إلا طريق الغرب وكانت المرأة متخلفة في الغرب، نظرًا لأن الغرب لم يحظ بالأديان السماوية التي حظي بها الشرق، ولم تستطع المسيحية بعد أن ذهبت إليه أن تغير منه كثيرًا نظرًا لأ