المجتمع الإسلامي وقضايا العصر
كتبه الشيخ:
مصطفى سيد عارف
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وبعد:
نوضح في هذه المقالة بعض الأمور الهامة التي تتعلق بمجتمعنا الإسلامي.
أولاً: واقعنا المعاصر
إن الإسلام يهدف من خلال تعاليمه السامية إلى إيجاد مجتمع إسلامي فاضل له صفات تميزه عن غيره من المجتمعات كالعفة والطهارة والامتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. إلخ.
وواقعنا المعاصر يخالف ذلك، وترجع هذه المخالفة للاختراق الغربي لمجتمعنا الإسلامي الذي خلف وراءه رصيداً هائلاً من التشوهات الفكرية والعقدية والنفسية، وذلك في جميع المجالات.
في مجال الأخلاق والسلوك:
غاب عن مجتمعنا منهج التربية الإسلامية الذي يدعو إلى العفة والطهارة والأخلاق الفاضلة.
وفي مجال التشريع: غاب عن مجتمعنا دستور الأمة الإسلامية الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلف، واسُتبدل بقوانين وضعية من صنع البشر.
وفي مجال العقيدة: غاب عن مجتمعنا مفهوم التوحيد الشامل بمعناه الصحيح.
وفي مجال العبادة: غاب عن مجتمعنا مفهوم العبادة المشتملة على الذل والخضوع لله رب العالمين.
ثانياً: الصراط المستقيم في طريق المرسلين:
بالمقارنة بين صفات المجتمع الإسلامي الفاضل وبين واقعنا المعاصر يتبين لنا الفرق الشاسع بينهما، فكيف نوجد في مجتمعنا الحالي هذه الصفات الحميدة التي ينبغي أن يكون عليها، والجواب على ذلك ((بالدعوة)). فهي الصراط المستقيم إذا كانت على منهاج النبوة.
ومعنى ذلك أن بعض الطرق التي تسلكها بعض الجماعات كرفع شعار من الشعارات، أو لافتة من اللافتات، أو بدخول المجالس عن طريق الإنتخابات، ما هي إلا طرق مخترعة تؤدي إلى إضاعة الجهد والوقت والمال.
قال تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [يوسف: 108]، فينبغي على الدعاة أن يركزوا على جانب العقيدة أكثر من غيرها، ويقبلوا على دراستها وتفهمها أولاً، ثم يعلموها لغيرهم، ويدعوا إليها من انحرف، أو أخل بها، ولا يعني ذلك إهمال جانب العبادات والمعاملات والأخلاقيات.
ثالثا: عوائق يجب أن تزول وأولويات يجب أن تقوم:
الدعوة إلى الله إذا كانت على منهاج النبوة تحتاج إلى جهد كبير ونظام دقيق وفهم عميق، فهناك أولويات يجب أن تقوم.
أولها: وحدة الصف:
قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)) [الصف: 4]، فعلى العاملين في حقل الدعوة أن يجمعوا صفهم وكلمتهم وفكرهم وجهدهم للعمل لدين الله عز وجل، فيجب عليهم إزالة العوائق التي تؤدي إلى الاختلاف والانقسام والتعصب وتشتيت الجهد وتعطيل الطاقة.
وهذه العوائق تشتمل على تعدد الجماعات التي تسعى إلى إيجاد عزة الإسلام وشوكته ومما لا شك فيه أن أفراد هذه الجماعات قوم مخلصون يريدون عزة الإسلام وشوكته، لكن الحق أحق أن يتبع، فالجماعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة في الفتن هي جماعة المسلمين التي يجمعها شهادة: لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وهي الجماعة التي لا يفارقها التارك لدينه.
ثانيها: إقامة الدين في المسلمين:
ومعنى إقامة الدين في المسلمين تعريفهم بربهم جل وعلا، لكي يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ويكون ذلك بالدعوة من خلال الكتاب والسنة.
فيجب على الدعاة أن ينتبهوا لهذا الأمر، ولا يسبقوه بشيء آخر، فالذين ينادون بإقامة الخلافة الإسلامية أو قتال الأعداء هم قوم مخلصون يريدون عزة الإسلام وشوكته، ولكنهم لم ينتبهوا إلى أمر هام، وهو أن شوكة الإسلام تابعة لوجود الإسلام، فحينما وجد الدين وجدت الخلافة، وحينما ضعف الدين ضعفت الخلافة، وحينما ضاع الدين ضاعت الخلافة، ومما لا شك فيه أن الاستخلاف في الأرض وعد الله، ولا يتحقق هذا الوعد إلا بعد إقامة الدين في المسلمين، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 55].
فمن خلال التمكين والاستخلاف الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات تبدأ مراحل القتال المختلفة.
ثالثاً: الفهم:
فالإعراض عن فهم السلف لأدلة من الكتاب والسنة