الكاتب الإسلامي الذي سقط
الضجة التي أثيرت حول الجثمان الذي قيل عنه أنه للنبي يحيى بن زكريا أو يوحنا المعمدان، جعلت بعض كتابنا المسلمين يحاول أن يتعجل الحكم في الموضوع، كأنما يقول للناس: ها أنا، الكاتب (السباق)، ولهذا.. فكتابتهم تخرج شوهاء متعثرة، وهذه النزعة إلى السبق تجعله يعمد إلى أدلة تخدم العقيدة التي تخالف عقيدته، وربما عمد إلى “الشطح” في سبيل أن تكون كلمته هي “الأولى”.
من هؤلاء الدكتور عبد الرازق نوفل الكاتب الإسلامي المعروف، الذي كان أول من أخرج كتابًا عن يوحنا المعمدان، والضجة حول الجثمان ما زالت قائمة، ولا يعنينا هذا الكتاب الآن، ولكن الذي يعنينا ما كتبه في أخبار اليوم بعنوان: يوحنا المعمدان هل هو النبي يحيى؟ والعنوان يؤكد لك أن الموضوع سيكون تحقيقًا تاريخيًا حول حقيقة هذا الجثمان الذي اكتشف، أو هو تتبع تاريخي دقيق يؤكد فيه أن يوحنا هو يحيى.
لكن الكاتب حشد فقرات من الأناجيل تناولت ما قيل عن يوحنا المعمدان، وكأن ما قاله من الأناجيل هو الذي يجعل قضيته بديهية، وهو كذلك الفيصل في القضية، وهو يعلم- ككاتب إسلامي- مدى التغيير والتبديل الذي لحق تلك الكتب، ولذلك تجاهل القرآن إلا في القليل النادر، وقد كان الأولى به أن يتحدث عن يحيى بن زكريا كما يصوره القرآن، بدلاً من هذه الصورة الوثنية التي تصوره بها الأناجيل، أما أن يجعل ما ورد في الإنجيل هو القول الفصل أو الصورة المثالية لحقيقة ذلك النبي، فمعناه أنه يسلم بقولهم ويعترف بصحته.
والأفظع من ذلك أنه عمد إلى حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (لا تأكل الأرض أجساد الأنبياء)، فقاس ذلك على الكهنة والقديسين والرهبان من النصارى الذين يعتقدون أن اللَّه ثالث ثلاثة، وقد تحمس الكاتب لهذا القياس، فاحتج- بصدق وتسليم تامين- بما نشر في جريدة “وطني” لسان حال النصارى في مصر، (عن اكتشاف ظاهرة إعجازية بجبل العلمون بصحراء مغاغة، إذ وجد جثمان قديس مات من ألف عام وما زال يحتفظ بطراوته كأنه دفن بالأمس”، ويحتج أيضًا بما يقوله (الأنبابشوي) تعليقًا على نفس هذه الظاهرة بما نشر في نفس الصحيفة: “أن الله يكرم القديسين بالإبقاء على أجسامهم الطاهرة”، ويستطرد في تقديم الأدلة فيقول: “وقد أصدر القمص أنسطاس الصموئيلي بدير الأنبا صموئيل كتيبًا يشرح فيه كيفية العثور على هذه المعجزة.
ونقول: إن هذا الكشف الذي اكتشف في جبل العلمون بصحراء مغاغة يؤكد أنه لقديس مات من ألف سنة، يعني بعد ظهور الإسلام بحوالي 411 سنة، بعد أن صدر قول الله في النصارى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}، {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}، ولو أن هذا الكشف يرجع تاريخه إلى ما قبل ظهور الإسلام لتوقفنا عنده ولم نقل شيئًا.
فيا أيها الكاتب الإسلامي الكبير، كيف تصدق “معجزات” من حكم الله بكفرهم؟ هل يمكن لكافر أن يحفظ الله جسده فيحتفظ بطراوته وكأنه دفن بالأمس وهو يقول في الله أنه ثالث ثلاثة، وأن اللَّه هو المسيح ابن مريم؟ كان الأولى أن تناقش القوم في باطلهم باعتبارك كاتبًا إسلاميًّا، بدلاً من أن تقرهم عليه، وكأنهم على الحق ونحن على الباطل.
فاستغفر الله أيها الكاتب، وتب إليه، فأنت بقولك هذا مع الذين خاطبهم الله بقوله: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. صدق الله العظيم.
التوحيد
فايل mg7-2-1
3