القول الفصل في تنظيم النسل
بقلم محمد جمعه العدوى
لم تعرف أمتنا ضجة أثيرت حول قضية من القضايا مثل الذي أثير حول قضية (تنظيم النسل) فلقد صاحبت هذه الضجة الوجود الماركسي في مصر في الستينات والذي كان يدعم كل اتجاه يقضي على قوة الإسلام واتفقت خططهم مع خطط الصليبية العالمية والتي دعمت هذه الدعوة بالوسائل المادية المختلفة وحشدت هذه القوى كل وسائل الإعلام محذرة من العواقب الوخيمة التي ستتردى فيها مصر إن هي لم تعمل على حل مشكلة تضخم السكان وكذلك حشدت هذه القوى كل وسائل الجذب والإغراء من ندوات ومحاضرات وأفلام ومسابقات وشراء ذمم بعض علماء الإسلام الذين سيقوا أو انساقوا وراء هذه الدعوة
ولكي تكون القضية واضحة فلابد من مناقشتها بكل المفاهيم التي يجب أن تناقش بها كل قضية وأخطر ما تناقش به هذه القضية هو جانبها الديني ولقد استعملت كلمة (العزل) أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم والعزل أن ينزع الرجل من المرأة إذا قرب إنزاله فيلقي بالحيوان المنوي بعيدا عن المرأة والواقع أن هناك من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفيد المنع فمن رواية أحمد عن سعيد قال رسول الله في العزل [أنت تخلقه أنت ترزقه أقره قراره فإنما ذلك القدر] وهذا الحديث فيه أمر من الرسول بعدم النزع في [أقره قراره] والرسول أراد أن يطمئن هذا السائل بأنه لا يملك من الأمر شيئا وأن الله هو الخالق وهو الرازق وبين الرسول أن ذلك هو القدر ومن يفعل ذلك فإنما يعترض على قدر الله وحاشا لمسلم أن يعترض على ما قدر الله له
وما روي عن أبي سعيد خرجنا مع رسول الله في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله فقال [ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة] وهذا الحديث متفق عليه فالعبارة التي وردت في الحديث [ما عليكم ألا تفعلوا] تفيد النهي عن العزل أي لا تعزلوا فإن الله قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة فعزلكم أوعدمه لا يمحي ما كتب وما قدر يقول ابن عوف عن الحسن أنه قال والله لكأن هذا زجر قال ابن سيرين عن جملة [ما عليكم ألا تفعلوا] هي عبارة أقرب إلى النهي
ومن حديث جذامة بنت وهب الأسدية [ثم سألوه عن العزل – تعني رسول الله – فقال ذاك الوأد الخفي] من رواية مسلم وأحمد وواضح من الحديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل حتى أنه نفر منه وجعله الوأد الخفي
أما المجيزون للعزل فيحتجون بما ورد في البخاري عن جابر بن عبد الله قال كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل ومفهوم الحديث أن رسول الله لم يعترض على العزل مع أنه يعلم ذلك منهم وحديث مسلم الذي رواه جابر أيضا [كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغه ذلك فلم ينهنا] وواضح من الحديثين إباحة العزل بإقرار رسول الله له
وربما قيل إن هناك تعارضا بين أحاديث المنع وأحاديث الإباحة لكن الحقيقة أنه لا تعارض فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبح العزل لهؤلاء الذين يخافون من ظروفهم المعيشية ومشاكلهم الاقتصادية فلم تكن في المدينة آن ذاك مشاكل اقتصادية بعد أن أفاء الله على المسلمين من بسطة العيش ورخاء الحياة من الغنائم والفيء وإضافة موارد جديدة من الأرض التي فتحت كذلك فإن كثيرا من صحابة رسول الله كانوا يتزوجون بأكثر من واحدة فينجبون الأعداد الوفيرة من البنين والبنات ولم يعترض رسول الله على هذا الإنجاب ولا اعترض صحابي على صحابي لكثرة نسله التي تسبب له أزمة اقتصادية بل إن رسول الله كان يدعو الله لبعض صحابته أن يكثر الله من نسلهم ولو كانت كثرة النسل مظنة الجهد المعيشي لما دعا رسول الله لصحابته بمثل هذه الدعوات الصالحات
ولا يمكن لصحابي أن يخاف من الإنجاب خشية الإملاق والحاجة وهو يعلم أن الله يقول
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[6 هود] (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[22 الذاريات] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [إنكم لوتوكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوخماصا وتروح بطانا] وقول رسول الله لبلال [أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا]
لكن الذي كان يبيحه الرسول من العزل هو الخوف من (الغيلة) والمراد بها أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضع أوحامل وكانت العرب تتصور أن ذلك يضر بالطفل ويجعله ضعيفا فكانوا يمتنعون عن زوجاتهم وقت الإرضاع والحمل فقد روى أبوداود عن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها سمعت رسول الله يقول [لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه] (يدعثره أي يصرعه ويهلكه) ويبدو أن رسول الله كان يرى ذلك أخذا من تجربة العرب الذين تصوروا ذلك وعملوا به لكن رسول الله رأى بعد ذلك – إما بطريق الوحي أوبطريق التجربة – ما يبطل ما