الفهم أولا يا سادة
بقلم على عيد
لقد أثار دهشتي أن تعلوا في الآونة الأخيرة أصوات تنتسب إلى هيئات التدريس في الجامعات تدعوا إلى احتواء الأساتذة بالجامعة للأنشطة الإسلامية والجماعات الإسلامية ووجه الدهشة والعجب أن هذا الصراخ ينطوي عن قصور هؤلاء المتصايحين وضعف نفوسهم إذ لو كانت النية صادقة والهدف واضحا والغاية نبيلة لذهبوا إلى هذه الجماعات وشاركوا في أنشطتها بالساحة الجامعية ولكن لأنهم بمعزل عن هذا النشاط يطلقون هذه الفقاعات من بعيد ويستصرخون أولي الأمر لمواجهة انحراف الجماعات الإسلامية وتطرفها
وأغلب الظن وأوكده أن أولئك المدرسين يبغون نوعا من الوصاية التي تتفق في نظرهم ومقامهم التعليمي لأفراد الجماعات الإسلامية وهم في ذلك مخطئون دون ريب لأنه يكون عبثا ولهوا إذا تصورنا مثل هذه العلاقة بين أفراد ثقافة وفكرة تجمعوا حولها ويقال إنهم تطرفوا في تمسكهم بها وقيادة فرضت نفسها عليهم رغم تخلفها الثقافي عن أعضائها بينما الذي يفهم أطوار الدعوة الإسلامية يرى أن العبيد كانوا معلمي سادتهم في كثير من الأحيان والصبية علموا الآباء والكبار دون غضاضة وحرج أوغطرسة وكبر
وكيف لا يعجب الإنسان إذا ما علم مراد أولئك الأساتذة في قيادة هذه الجماعات على أسس ثقافية هم أول ناقديها وعائبيها على صفحات الجرائد فيقيمون بذلك النقد والتجريح جدارا من العداوة والبغضاء بينهم وبين هذه الجماعات ثم يعلنون شفقتهم عليها
ومن المؤسف حقا أن تنتقد الكتب المتداولة بين أيدي الجماعات الإسلامية كما قيل بعنف ودون هوادة وكون النقد صادرا من المنتسبين إلى المناخ العلمي شيء يبعث على الألم لأنه يدل في المقام الأول على عدم فهم عقلية الشاب الجامعي من جانب وفي المقام الثاني على البعد عن المفاهيم الإسلامية والأسس الصلبة للفكر الإسلامي وقضايا الفقه الإسلامي ووجود رأي شاذ في كتاب من الكتب لا يعد دليلا على اقتناع الشباب به أوتمسكهم به كالقول بأن كتابا من الكتب يقرر ثبات الأرض مثلا فلا أظن أن شابا جامعيا يعتقد بذلك الأمر مطلقا
أما أن تنتقد آراء شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ سيد سابق وغيرهم بدعوى أن بكتبهم آراء شاذة فباديء ذي بدء أولئك الأعلام ليسوا منزهين عن الخطأ فكل بشر يخطيء ويصيب إلا أن يكون معصوما كالأنبياء والرسل فيما يبلغون عن ربهم غير أن نقاط الانتقاد والتجريح التي لا تروق الأساتذة المبجلين في كتب أولئك العلماء ليست آراء خاصة بهم وإنما هي قواعد شرعية ولأنهم يودون ردها والتملص منها يجعلونها ذريعة لظاهرة التطرف الذي زعموه فمن ثم يهاجمونها ولو أنصفوا لعلموا أن عليهم قطع أشواط من الثقافة قبل الكتابة في الدين ونقد أصوله وأحكامه وأعلامه وليس المؤهل الجامعي بمغن عن ذلك أبدا لأنه لا يعطي صاحبه الحق في نقد ما لا يعلم وهنا تكون مسئولية الصحف التي تنشر ذلك العدوان مسئولية مضاعفة لأنها سمحت أولا بنشره ثم إنها لم تنشر توضيحا له أوتعليقا عليه وهي تعلم أن الدستور الحالي يقرر إسلامية الدولة وإسلامية مصادر الدستور وأول الواجبات في الدولة الإسلامية أن يكون المسلم حارسا للعقيدة مدافعا عنها سواء كان بمفرده أوبهيئة من الهيئات
وإنه لمن الأمور البديهية اختلاف الفقهاء في مسائل الفقه التي لم يثبت لديهم دليل عليها من كتاب أوسنة لاختلاف العقول والملكات والقدرات وإذا كان الشرع الحنيف طلب من علمائه الاجتهاد وعقد للمصيب أجرين وللمخطيء أجرا فإن ذلك يسير مع قاعدة رفع الحرج عن الأمة (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[78 الحج]
والقضية الخاسرة والمشينة في نفس الوقت لكل من يكتب فيها هي قضية السفور والحجاب فإن قضية لباس المرأة باديء ذي بدء ليست مسألة خلاف بين الفقهاء أواجتهاد منهم بحيث تخضع للاستحسان أوالاستهجان لأنه لا اجتهاد مع نص ونصوص القرآن ثابتة صريحة وهي ملزمة ونصوص السنة صحيحة موجبة ودستور الدولة كما قلنا يدعى الإسلام ولا يوجد فقيه
واحد من فقهاء المسلمين الموقرين خرج على النصوص في هذه المسألة فكيف يرضى رجل ينتسب إلى علماء الأزهر وتولى وزارة الأوقاف لنفسه أن يهاجم لباس المرأة الذي شرعه الله ورضيه لإمائه في الأرض ولا يفتأ يعيب على الفتيات المسلمات رغبتهن في الحشمة ويضرب الأمثال على مضاره وأنه يستر كثيرا من انحراف الفتيات إنه ولا ريب سيشعر بجرمه يوما وأن الله سبحانه لن يدع من يتعد حدوده ويستهين بأحكامه وآدابه وليس من اللائق أوالمقبول أن تنشر مجلة أكتوبر المصرية تصريحات وأحاديث للسيدة حرم رئيس الجمهورية في مجلات أوروبية تدعوا فيها هيئات التدريس بالجامعات لمحاربة الحجاب ومقاومة هذه الظاهرة التي تعتبر تطرفا في الجامعة لا يليق ألا هل من رشيد يحيط أولئك علما بأصالة الحجاب وإسلاميته وأنه أولى بالفتاة من العرى والابتذال وبيع كرامتها وعفتها في سوق الرقيق الأبيض ؟
والأدهى والأمر أولئك الذين