باب العبادات
درس في الفقه الإسلامي
بقلم. أحمد فهمي أحمد
الوضوء
– 3-
نواقضه
تحدثنا في المقالين السابقين عن الوضوء من حيث دليل مشروعيته، وفضله، وصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرائضه وسننه، ونواصل الحديث الآن عن نواقضه، فنقول وباللَّه التوفيق:
أولاً- كل ما خرج من السبيلين
كل ما خرج من السبيلين ( القبل والدبر ) ينقض الوضوء، وهو:
1- البول والغائط: لقول اللَّه عز وجل: {… أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ….} [المائدة: 6].
2- ريح الدبر: لحديث أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ” قال رجل من حضر موت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط. رواه البخاري ومسلم.
ولحديث عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: ” لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا” رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. والمراد بسماع الصوت أو وجود الريح: اليقين بخروج شيء منه.
3- المني: ومنه الغسل، لقول اللَّه تعالى: {… أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ…} [النساء: 43، المائدة: 6]. ولقوله تعالى: {… وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [النساء: 43]. وكل ما كان ناقضًا للغسل فهو من نواقض الوضوء.
4- المذي: وهو ماء أبيض لزج رقيق يخرج عند الملاعبة، أو التفكير في الجماع، أو إرادته، ويكون من الرجل أو المرأة على السواء، إلا أنه من المرأة أكثر، وهو من نواقض الوضوء: لحديث علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: كنت رجلاً مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله فقال: ” فيه الوضوء” متفق عليه واللفظ للبخاري.
وعن سهل بن حنيف رضي اللَّه عنه قال: كنت ألقى في المذي شدة وعناء، وكنت أكثر من الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ” إنما يجزيك منه الوضوء”. رواه أبو داود،وابن ماجه، والترمذي،وقال حديث حسن صحيح.
5- الودي: وهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول أحيانًا:
عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: (المني والودي والمذي: أما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي ففيهما إسباغ الطهور ) رواه الأثرم، وفي لفظ للبيهقي ( وأما الودي والمذي فقال اغسل ذكرك أو مذاكيرك، وتوضأ وضوءك للصلاة ).
6- الدود ونحوه: لما رواه البخاري: ( قال عطاء فيمن يخرج من دبره الدود أو من ذكره نحو القملة يعيد الوضوء ).
ثانيًا- النوم العميق
عن صفوان بن عسال قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم ) ( أي ولكن لا ننزعها من غائط وبول ونوم ) أخرجه النسائي، وصححه ابن خزيمة والترمذي واللفظ له، ورواه أيضًا ابن ماجه وابن حبان واالدارقطني والبيهقي. وفي هذا الحديث جعل حكم النوم كالغائط والبول.
ويحمل هذا الحديث على النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك أما خفقان الرءوس ( النوم غير المستغرق ) فسنتحدث عنه إن شاء اللَّه تعالى عند الحديث عن الأمور التي يظن الناس أنها تنقض الوضوء، وهي بخلاف ذلك.
ثالثًا- زوال العقل
قياسًا على النوم المستغرق اتفقت كلمة العلماء على أن الإغماء، أو الجنون، أو السكر، أو أية صورة زوال العقل- ولو كان بالدواء- يعد ناقضًا للوضوء.
رابعًا- مس الفرج بدون حائل
من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع ما يأتي:
1- عن بسرة بنت صفوان رضي اللَّه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ” رواه الخمسة ( المقصود بالخمسة: أبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وأحمد ) وصححه الترمذي، وفي رواية للنسائي وأحمد عن بسرة أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ” ويتوضأ من مس الذكر”.
2- عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب ولا ستر، فقد وجب عليه الوضوء” رواه أحمد وابن حبان، وصححه الحاكم وابن عبد البر.
3- عن طلق بن علي قال: قال رجل مسست ذكري، أو قال الرجل يمس ذكره في الصلاة، أعليه وضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا، إنما هو بضعة منك” أخرجه الخمسة وصححه ابن حبان.
قال صاحب سبل السلام: ( وقد أيدت حديث بسرة المذكور أحاديث أخر عن سبعة عشر صحابيًّا مخرجةٌ في كتب الحديث، ومنهم طلق راوي حديث عدم النقض، وتأول من ذكر حديثه في عدم النقض بأنه كان في أول الأمر، فإنه قدم في أول الهجرة قبل عمارته صلى الله عليه وسلم مسجده، فحديثه منسوخ بحديث بسرة فإنها متأخرة الإسلام.
وأحسن من القول بالنسخ القول بالترجيح، فإن حديث بسرة أرجح لكثرة من صححه من الأئمة،