باب الفقه
يقدمه: أحمد فهمي أحمد
المسح على الجوربين
تحدثنا في المقال السابق عن المسح علىالخفين، حيث بينا كل ما وفقنا اللَّه عز وجل لبيانه، من حيث دليل مشروعيته، وشروط ومحل المسح، وتوقيته، وما يبطله، وقد كان الواجب أن نضمن المقال السابق المسح على الجوربين على أنه تابع للمسح على الخفين، ولكننا رأينا أن نفرد المسح على الجوربين بمقال لما لذلك من أهمية، حيث قد التبس هذا الأمر على كثير من الناس، نتيجة ما يقرءونه من فتاوي في الكتب وعلى صفحات بعض المجلات تقول لهم إن المسح على الجوربين لا يصح.
* * *
لقد ورد الحديث عن المغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ) رواه أحمد، وأبو داود وضعفه، والترمذي،وابن ماجة، وقال الترمذي حسن صحيح.
وقد طعن بعض العلماء في هذا الحديث بحجة أن الرواية المشهورة عن المغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، ولكن هذا الطعن لا وجه له، لأنه لا منافاة بين مسحه صلى الله عليه وسلم على الخفين والجوربين، لإمكان أنه صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين في وقت وعلىالخفين في أوقات أخرى، ورآه المغيرة بن شعبة فعل هذا وهذا، ولأن الأحاديث الصحيحة لا ترد بمثل هذا التعليل.
أما ما احتج به المانعون للمسح على الجورب، من كون الخف من الجلد بينما الجورب من الصوف وغيره، فهذا لا يوجب القدح في الحديث ولا يجوز التعليل به.
* * *
وبالإضافة لهذا فقد ثبت عن جماعة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنهم مسحوا على الجوربين، وهم لن يفعلوا ذلك إلا إذا تأكدوا أن المسح على الجوربين سنة فعلها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقد قال أبو داود رحمه اللَّه في السنن بعد أن أخرج حديث المغيرة المذكور ما نصه ( ومسح على الجوربين علي بن أي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، رضي اللَّه عنهم جميعًا ) انتهى.
وقال العلامة ابن القيم الجوزية رحمه اللَّه في تهذيب السنن عند كلامه على هذا الحديث ما نصه ( قال ابن المنذر: يروي المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : علي، وعمار، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وعبد اللَّه بن أبي أوفى، وسهل بن سعد. وزاد أبو داود: أبا أمامة، وعمرو بن حريث، وعمر،وابن عباس. فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيًا، والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي اللَّه عنهم لا على حديث أبي قيس ) ( يقول أبو داود إنه يعتمد على جواز المسح على الجوربين على هؤلاء الصحابة لا عل حديث أبي قيس، وذلك نظرًا لأن الحديث ضعيف في نظر أبي داود ) يعني حديث المغيرة بن شعبة المذكور آنفًا لأنه من رواية أبي قيس عن هزيل عن شرحبيل عن المغيرة، إلى أن قال رحمه اللَّه: ( وقد نص أحمد على الجواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس، وهذا من إنصافه وعدله رحمه اللَّه، وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه، والمسح عليهما قول أكثر أهل العلم منهم من سمينا من الصحابة، وأحمد، وإسحق بن راهوية، وعبد الملك بن المبارك، وسفيان الثوري، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وأبو يوسف، ولا نعرف في الصحابة مخالفًا لما سمينا ) انتهى.
وقال ابن تيمية رحمه اللَّه في جواب من سأله عن المسح على الجوربين ما نصه ( نعم يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء كانت مجلدة ( أي وضع الجلد أعلاها وأسفلها ) أو لم تكن في أصح قولى العلماء، ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه، وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك، فإن التفريق بين الجوربين والخفين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة، فلا فرق بين أن يكون جلودًا أو قطنًا أو كتانًا أو صوفًا ) إلى أن قال: ( وغايته أن الجلد أبقي من الصوف فهذا لا تأثير له، كما لا تأثير لكون الجلد قويًا، بل يجوز المسح على ما بقي وما لا يبقي، وأيضًا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا، ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقًا بين المتماثلين، وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل اللَّه به كتبه وأرسل به رسله، ومن فرق بكون هذا ينفذ منه الماء وهذا لا ينفذ منه فقد ذكر فرقًا طرديًا عديم التأثير…. ) انتهى.
* * *
وكما يجوز المسح على الجوربين يجوز المسح على كل ما يستر الرجلين كاللفائف ونحوها، قال ابن تيمية: ( والصواب أنه يمسح على اللفائف، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب، فإن اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة، وفي نز