الفتنة نائمة لعن اللَّه من أيقظها
بقلم: الدكتور جابر الحاج
لو اقتصر الشر على صاحبه لهان أمر الشر، ولكن الشر يعظم أمره ويشتد خطره حين يجد الشرير من يجند نفسه له، والطيور على أشكالها تقع.
ابن عربي هو أحد البلايا التي حملت الفتن والضلال والفكر المسموم، ووجد فيه أعداء الإسلام فرصتهم فنشروا فكره، وروجوا خلطه، وأنفقوا على كتبه التافهة في فكرها، المتخطبة في معناها، الهابطة عن الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، إلى الشرك الظاهر والخفي بعد أن يتوه الفكر في متاهات ابن عربي التي لا تقف عند حد، وكان من المحزن أن يقوم نفر متهمون في نواياهم بترويج فكر ابن عربي فأعادوا طبع كتبه ليقربوها إلى الأيدي، وكأن السنة المطهرة قد وصلت إلى كل بيت، والفكر الصحيح الأصيل قد غمر البلاد والعباد، ولم يبق إلا فكر ابن عربي.
وكانت لفتة كريمة من مجلس الشعب ليقدم إحدى حسناته القليلة، فأمر بإيقاف طبع كتاب الفتوحات المكية لابن عربي، وقامت ضجة في مجلس الشعب ذكرتني بنائب عوتب من أبناء دائرته أنهم لا يسمعون صوته فأجابهم بأنه يشارك في الضجات التي تحدث في المجلس ! وحسبك بنقاش يحتدم فيقول عبد المنعم الصاوي: إن ابن عربي عظيم وفكره عظيم وكتبه عظيمة، وحسبك أن يكون هذا القول من رجل قال وهو في أمريكا: “إن تطبيق الشريعة الإسلامية محال”. هل الشريعة الإسلامية لا ترتقي لعظمة ابن عربي وفكره يا سيد صاوي؟ والغريب أن جريدة الأخبار فتحت صدرها للمعارضين لمصادرة كتاب الفتوحات المكية، ويزعم بعضهم أننا نترك هذه الأفكار الساقطة ثم نبين الفكر السليم، أقول: كيف نيسر للناس ذلك الفكر الخاطئ فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، فأي منطق ذلك الذي يدعو لترويج الشر وملاحقته بالخير.
إن ما صنعه مجلس الشعب بمنع الشر هو الصواب، وهذا قول عثمان الخليفة الثالث: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، ويقول الحق تبارك وتعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}، ويقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}، إذا كان هذا في اللغو، فكيف يكون الأمر في كلام ابن عربي، وإليكم عينة منه:
يقول في شرح للبسملة ما نصه: سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ألف الباء- من باسم الله- إلى اين ذهبت؟ قال: سرقها الشيطان وأمر بتطويل باء باسم الله، تعويضًا عن ألفها إشارة إلى احتجاب ألوهية الإلهية في صورة الرحمة الانتشارية وظهورها في الصورة الإنسانية بحيث لا يعرفها إلا أهلها.
وبعض الذين يحسنون الظن بابن عربي قالوا: إن تفسير ابن عربي هو لرجل غيره “القاشاني”، ولكنا فوجئنا بمثل هذه الزوابع حين وقف رجال الأزهر وقفتهم المشكورة من إيقاف إعادة طبع هذا الهراء، والمتصوفة يجلون ابن عربي والقاشاني على حد سواء.
إن على قمة واجبات مجلس الشعب إيقاف الفتنة قبل انتشارها، أما ما يزعمه البعض من إطلاق الشر وملاحقته بالخير فهذه سياسة العاجزين، وصدق الله العظيم: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}، وحسبك من زندقة ابن عربي قوله:
“إن عجل بني إسرائيل أحد المظاهر التي اتخذها الله وحل فيها”.
إن الأمر ليس ما يقدم للخاصة أو العامة، إن كتب ابن عربي تحمل الفتنة للجميع، فالعامة يحتاجون وقتهم لتعلم الدين من منابعه الأصيلة، كتاب الله وسنة رسوله، والخاصة وقتهم أثمن من تضييعه في ترهات ومتاهات ابن عربي.
إن مما قاله ابن عربي في الفصوص عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}:
اتقوا ربكم: اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم- وهو ربكم- وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد، فكونوا وقايته في الذم، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.
وفي قول الله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} يقول: جنتي هي ستري، وليست جنتي سواك، فأنت تسترني بذاتك الإنسانية، فأنت عبد رأيت ربًا، وأنت رب لمن فيه أنت عبد، وأنت رب وأنت عبد لمن له في الخطاب عهد.
وفي الفتوحات المكية التي أثارت حمية الصوفية، يقول في قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}، إنهم اعترفوا ما يعبدون هذه الأشياء إلا لتقربهم إلى الله زلفى، فأنزلهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم، ولهذا يقضي الحق حوائجهم إذا توسلوا بها إليه غيرة منه على المقام أن يهضم وإن أخطأوا في التشبيه فما أخطأوا في المقام.
كلام عجيب وغريب لا يتسع المقام لذكر الكثير منه، وما أكثر شطحات هذا الرجل، ولكن الغريب حقًا أن يجد هذا الرجل من