العلم
بقلم السيدة الفاضلة حرم الدكتور رضا
العلم نقيض الجهل، وهو معرفة ونور يضيء البصيرة فترى سبيل الرشد من الغى، وهو مجهر يرى العقل به ما لم يكن يراه، فيدرك الحقائق ويحظى بمعرفة الخالق فيجله ويخشاه، وذلك ما أكده تعالى في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}، ومن المحال أن يؤمن إيمانا صحيحا إلا من عرف ربه ورأى آثار رحمته وجزيل نعمته وعظيم رحمته، لأن الإيمان يقين واعتقاد، فكيف يوقن ويعتقد جاهل بما يجهله؟ وكيف يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه إلا من عرف رسالته، وكيف يشكر ربه إلا من قدر نعمته ورحمته، وكيف يصبر على ابتلائه إلا من عرف حكمته، وكيف يخشاه ويتقيه إلا من عرفه وقدر جحيمه وجنته، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فلا يخشاه إلا من عرفه وقدره فسعى لرضاه، أما الجاهل فانه لا يعرفه ولا يقدره ولا يخشاه، ولذا قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} لأن الجاهل عمى عن خيره فسعى لضرره، أما العالم فانه رأى وعلم ما ينجيه فسعى لما يسعده واجتنب ما يشقيه، لذا مثّل اللَّه تعالى في كثير من آى الذكر الحكيم الجاهل بالدين بالأعمى الذي يتخبط في ظلمات الضلال لان الدين ونور القرآن يهدى إلى طريق الرشد، كما يهدى النور إلى طريق النجاة فقال تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُأُوْلُواْ الأَلْبَابِ} وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}.
ومثّل هداية القرآن بالنور وشبه الجهل باللَّه ودينه بالظلمات فقال: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا}، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن قليل العمل ينفع مع العلم وإن كثير العمل لا ينفع مع الجهل ” نعم، فلا أجر ولا نفع في عبادة ليس فيها تفقه ولا قيمة لعمل ليس فيه تدبر، إنما الخير والأجر في عبادة العالم الذي ينوى عمل الخير ابتغاء مرضات اللَّه، والذى يعرف عقابه فيخشى عواقب غضبه، ولذا أثنى اللَّه تعالى على أولي العلم أطيب ثناء بأنهم أولو الألباب الذين يؤمنون به لأنهم يرون آثار رحمته وجزيل نعمته وعظيم قدرته، فيخشون شديد بطشه وعواقب غضبته، قال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}، وقال: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} نعم لا يعقلها إلا أولوا الألباب، ولا يفهمها إلا من استنار بالعلم فتدبر، وتبصر فأبصر، وأفضى به علمه إلى تقدير الخالق وتقديس الواجب، فتدرع بالتقوى وتحصن بالفضائل، لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه” أى أن كل مولود يولد جاهلا، ولا يحظى بالعلم إلا من سعى له بالتعلم والتدبر، ولا يحظى كذلك بالحلم إلا من كظم غيظه وكبت غضبه، فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم، قال الشاعر:
تعلم فليس المرء يولد عالما
وليس أخو علم كم هو جاهل
وأن كبير القوم لا علم عنده
صغير إذا التفت عليه المحافل
فمن يتحر خير العلم يعطه، ومن يتوق شر الجهل يوقه، فمن سعى للخير سعيه أعطاه له اللَّه، ومن اتقى الشر وقاه، ومن أراد الهدى هداه، ومن سعى للنجاة نجاه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ” ويل لمن يعلم ولا يعمل وويل ثم ويل لمن لا يعلم ولا يتعلم مرتين” ما أعظم حكمة هذا الحديث، لقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إثم الذي لا يعلم ولا يتعلم على الذي يعلم ولا يعمل؛ لأن الذي يسع ليتعلم وهو يستطيع، فأعرض عن الفهم وظل في جهله باختياره، قد تعمد الجهل الذي يدفعه إلى كل شر وكل ضر، فكان أعظم خطرا وأشد ضررا ممن علم واجبا ولم يعمله، لأن الأول عصى أمر يعلمه، أما الثانى فإنه عصى أوامر شتى لم يرد أن يعلمها فجهلها بعلمه، وعصاها بجهله، الأول استخف بطاعة أمره، أما الثانى فإنه استخف بكل أمر، الأول أصر على عصيان، والثانى أصر على الجهل الذي يدعو إلى كل عصيان.
وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ” لا يزال الرجل عالما ما طلب العلم. فإن ظن أنه قد علم فقد جهل” أى طالما طلب الإنسان العلم وسعى له فإنه عالم لأنه يطلب المزيد ويعلم أن فوق كل ذى علم عليم، أما إذا اغتر بنفسه وظن أنه لا حاجة له إلى علم إذ علم كل شيء، فهو جاهل لأنه جهل أنه جاهل، وظن أنه لا يجهل شيئا وهو لا يعلم إلا القليل من الكثير، وما أجمل قول الشاعر:
كلما أدبنى دهرى أرانى نقص عقلى
وكلما ازددت عل