العلم النافع
بقلم : أحمد جمال العمري
ماجستير في الآداب
الحمد لله .. الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علمه البيان، وجبر نقيصته من عثرة اللسان، سبحانه تجلت قدرته في كل مكان وزمان، والصلاة والسلام على رحمة العالمين، أفصح الناطقين، وأبلغ المتكلمين، محمد بن عبدالله الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.. أجمعين وبعد:
فقد دعا ديننا الإسلامي الحنيف منذ انبثاق فجره إلى العلم والتعلّم، وبرزت دعوته هذه في أول آية قرآنية أنزلها الله تعالى على قلب رسوله معلم البشر، حيث جاءت تدعوه إلى القراءة باسم الله الخالق .. (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) سورة العلق الآيات: 1: 5.
ثم تتابعت دعوة الله تعالى إلى التعليم والتعلّم في العديد من آياته البينات. وقد حمل رسالة العلم والمعرفة رسوله الأمين، فكان نِعْمَ الناصح والأمين، وسراجًا منيرًا يضيء أفق العلماء والمتعلمين، وكانت أحاديثه الشريفة صلى الله عليه وسلم خير مرشد وهادي..
يقول عليه السلام : (أغد عالمًا أو متعلمًا أو مستمعًا أو محبًّا – أي للعلم والعلماء- ولا تكن خامسًا فتهلك). رواه الطبري والبزار.
وقال: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا إلى الجنة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وقال: ( من تفقه في دين الله عزّ وجلَّ كفاه تعالى ما أهمّه ورزقه من حيث لا يحتسب). رواه الخطيب في التاريخ.
وإذا كان الله جلَّ شأنه قد فضل بعض الناس على بعضهم بالتقوى – نحو قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)- فقد فضل أيضًا العالم على الجاهل ؛ لأن العلماء أقدر الناس على معرفة ربهم، والإيمان بما جاء من عنده، أقدرهم على فهم عقيدة التوحيد، أجدرهم بمعرفة الله وخشيته، وأسبقهم إلى محبته وطاعته.
يقول تعالى: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) آل عمران : 7.
(الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك) النساء : آية 162.
ويقول أيضًا : (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) آل عمران : 18.
(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة : آية 11.
وحين دعا الإسلام إلى العلم والتعلّم، فهو إنما كان يدعو إلى العلم النافع القاهر للهوى، القامع للنفس، وليس هناك علم أنفع من العلم بكتاب الله وسنّة نبيه، ففيهما معرفة سر وحدانية الله، وربوبيته وقدرته وإبداعه في خلقه، وحسن تدبيره لأمور عباده المخلوقين.
(قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين) الملك : آية 36.
فليس العلم – علم الماديات فقط – بما يتبع ذلك من إثارة للغرائز، أو تدمير للعالم، أو فتك الإنسان بأخيه الإنسان، وإنما العلم الحقيقي – هو الذي ينفع الناس، ويرشدهم إلى الطريق القويم، العلم الذي يسبح بحمد الله ، وشكره على نعمائه، وما قدمه لعباده من خير عميم، وفضل جزيل؛ لأنه سبحانه هو الذي يهيئ للإنسان أن يعلم ويتعلم، وهو سبحانه الذي (يعلم كل شيء).
أضفْ إلى ذلك أن العلم النافع وثيق الصلة بالإيمان، يرتبط بمخافة الله، ومعرفة حدود شريعته، وسر وحدانيته، وهذا لعمري يرتبط بحقوق الإنسان وحب الإنسان لأخيه الإنسان، العلم النافع هو الذي يستعان به على الطاعة، ويلزم الخشية من الله تعالى، والوقوف على حدوده ، إنه علم المعرفة بالله.
(إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر: آية 28.
وفي سبيل بذل العلم وتحصيله يرفض الإسلام الخنوع، ويأبى أن يتحرج المرء من أن يسأل في أمر دينه ودنياه، بل لقد حثه الإسلام على أن يعرف ويسأل عن كل ما يتصل بعقيدته، وأمور حياته، فلا حياء في الدين، ولا حياء من السؤال والاستفسار.
وقال صلى الله عليه وسلم: (العلم خزائن مفاتيحها السؤال، ألا فاسألوا – رحمكم الله – فإنه يؤجر فيه أربعة السائل والعالم والمستمع والمحب لهم) رواه أبو نعيم في الحلية. وقال عليه السلام: (لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله، ولا للعالم أن يسكت على علمه) رواه ابن السقي وأبو نعيم في كتابيهما.