العقيدة والشريعة معًا
بقلم: محمد عبد اللَّه السمان
العقيدة والشريعة معًا هما الإسلام، والإسلام هو العقيدة والشريعة معًا، وهذه مسلمة من المسلمات التي لا يجادل فيها مسلم ولا يماري، وإذا فرض ووجد مثل هذا المسلم الذي يجادل أو يماري في هذه المسلمة، فلا بد أن يعاد النظر في إسلامه، فإن كان جاهلاً رد إلى صوابه، وإن كان غير جاهل جودل بالتي هي أحسن، فإن تحول إلى مكابر يجب أن يحدد موقفه من الإسلام، وأن يحدد موقف الإسلام منه، فما أكثر ما منى الإسلام بشراذم منتسبين إليه، وهم دخلاء عليه، حتى ولو كانت شهادات مواليدهم تشهد لهم بالإسلام..
وإذا كنا نلتمس بعض العذر لمن تلقي ثقافته في الغرب الصليبي أو في الشرق الإلحادي، حين يرى أن الإسلام عقيدة فحسب وليس تشريعًا، وأنه دين فحسب وليس دولة، وأن الإسلام مكانه المسجد وقلوب المسلمين، وليس له مكان في الشارع والمجتمع والدولة، وأن الدين شيء والسياسة شيء آخر ولا ارتباط بين الشيئين، فكيف نلتمس عذرًا لمن تعلم في الأزهر، ويرى- جدلاً- أن من حقه أن يتحدث باسم الإسلام والمسلمين، حتى وهو- بحديثه- يتزلف إلى السياسة ويتقرب منها، فكيف نلتمس لمثل هذا عذرًا وهو يقول: الإسلام فحسب: أهل هداية وأهل ولاية، وليس على الإطلاق أهل سياسة، وأهل الهداية في نظره هم العلماء، وأهل الولاية هم المتصوفة؟
مثل هذا الكلام- بالطبع- ينزل بردًا وسلامًا على قلوب الأنظمة الحاكمة في ديار المسلمين، ويثلج صدورها، لأنها آمنة في ظل حكم جاهلي، ولم يعد شيء يهدد وجودها إلا أن تقوم للإسلام قائمة، ونحن نسأل الشيخ الذي جعل الإسلام- على هواه- أهل هداية وأهل ولاية- فحسب- وليس على الإطلاق أهل سياسة: من أين لك هذا؟ هل كانت الدولة المسلمة- منذ نشأتها في المدينة- في معزل عن السياسة، إذن فإن كلمة ” الدولة” لا تنطبق عليها، لقد نظمت هذه الدولة المسلمة مجتمع المسلمين، أي أنها نظمت سياستها الداخلية، وهذه الدولة المسملة أعلنت الحرب على مناوئيها، وعقدت معاهدات الصلح والسلم، أي أنها قعدت سياستها الخارجية على قواعد وأصول مدونة في سائر كتب الفقه، فكيف يقال بعزل الدين عن السياسة؟
ثم إن أهل الولاية- وهم المتصوفة- كما يقول الشيخ، لم يكن لهم وجود إلا في القرن الثالث الهجري، فهل معنى هذا أن الإسلام بدأ ناقصًا، حتى ظهر المتصوفة، فاكتمل بناء الإسلام مثلاً؟ إذن فلدي الشيخ تفسير فريد لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} تفسير فريد ينفرد به هو.. !!
وقد يتساءل متساءل:
إذا كان الترابط بين العقيدة والشريعة وثيقًا لا انفصام لعروته، وأن هذا الترابط الوثيق من المبادئ المقررة في الإسلام، والتي هي والمسلمات سواء، فلماذا إذن الجدل في أمر مقرر ومسلم به في الإسلام؟.
والحق مع المتسائل، هذا من حيث الشكل، ولكن من حيث الموضوع فلا بد من شيء من التحفظ، فلو أننا نعيش مجتمعًا مسلمًا، ولو أن للدولة المسلمة وجودها، ونعيش في ظلها، لكان الحق كل الحق مع المتسائل، لكنا- واقعًا- نعيش مجتمعًا جاهليًا، بكل ما تعني كلمة الجاهلية من مدلولات، ولا مكان- على الإطلاق- للدولة المسلمة المتكامل بناؤها، في أية بقعة وفي إيجاز، نحن اليوم- أعني المسلمين جميعًا- نعيش غربة الإسلام: دينًا ودولة، عقيدة وشريعة، مجتمعًا ونظامًا، وهذا يضطرنا إلى أن نواجه عقولاً تحملها أدمغة جاهلية، وإن فرض علينا أن نعترف بإسلام أصحابها بحكم شهادات المواليد..
وقد أصبح من المقررات التي لا تقبل الجدل: أن الإسلام اليوم في معزل تام عن الحياة، وأن حياة الشعوب قاطبة في واد، والإسلام في واد آخر، وبعد ما بين الواديين بعد ما بين السماء السابعة والأرض، أعني بالإسلام هنا، الإسلام الذي رضيه اللَّه لعباده دينا، ولا أعني الإسلام الحديث الذي أصبح على ألسنة بعض علماء الدين لا يستجيب لمتطلبات شريعة اللَّه، وإنما يستجيب لمتطلبات السلطات تبعًا لرغباتها ونزعاتها ومصالحها، فالإسلام شرقي إذا كانت السلطة شرقية، وغربي إذا كانت غربية، والإسلام اشتراكي ما دامت السلطة تدين بالاشتراكية، ورأسمالي ما دامت تدين بالرأسمالية، والإسلام حينا أمريكي وحينا روسي وحينا صيني: لأننا أردنا له أن يكون تابعًا مستسلمًا للسياسة، وليست السياسة تابعة له، ما دام لدينا علماء دين مستعدون دائمًا أن يجعلوا الإسلام مطية ذلولا لمتطلبات السلطة والسياسة، لقاء ثمن زهيد دنيا وباهظ دينا..!
إن عزل الإسلام عن الحياة أو عزل الحياة عنه، لا تعني- فحسب- أن شريعة اللَّه معطلة، بل فوق ذلك مضطهدة كذلك، وأن هذا الاضطهاد واقع عليها من داخلنا وليس من خارجنا، في أشكال الأنظمة التي تحكم الشعوب المسلمة، وعملائها من المحترفين في مجال الدين، وفي حقول الأدب أو السياسة أو الإعلام، وقد كنا من قبل نلقي المسئولية على عات