العقيدة الصحيحة
بقلم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنور
وأما الإيمان بالملائكة فيتضمن الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً ، فيؤمن المسلم بأن للَّه ملائكة خلقهم لطاعته ووصفهم بأنهم : { عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ سورة الأنبياء ] ، { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } ، وهم أصناف كثرة منهم الموكلون بحمل العرش ومنهم خزنة الجنة والنار ، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد ، ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى اللَّه ورسوله منهم كجبريل وميكائيل ومالك خازن النار ، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور ، وقد جاء ذكره في أحاديث صحيحة ، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم )) . أخرجه مسلم في صحيحه . وهكذا الإيمان بالكتب يجب الإيمان إجمالاً بأن اللَّه سبحانه أنزل كتبًا على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه ، كما قال تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَوَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [ سورة الحديد ] الآية ، وقال تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ } [ سورة البقرة ] الآية .
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى اللَّه منها كالتوارة والإنجيل والزبور والقرآن ، والقرآن هو أفضلها وخاتمتها ، وهو المهيمن عليها والمصدق لها ، وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه وتحكيمه مع ما صحت به السنة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأن اللَّه سبحانه بعث رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين ، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم بيه بينهم وجعله شفاء لما في الصدور وتبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين ، كما قال تعالى : { وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، وقال سبحانه : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } ، وقال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وهكذا الرسل يجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً ، فنؤمن أن اللَّه سبحانه أرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق ، فمن أجابهم فاز بالسعادة ، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة ، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد بن عبد اللَّه صلى الله عليه وسلم ، كما قال اللَّه سبحانه : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } ، وقال تعالى : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ، وقال تعالى : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } ، ومن سمى اللَّه منهم أو ثبت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسميته آمنا به على سبيل التفصيل والتعيين كنوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم صلى اللَّه عليهم وعلى آلهم وأتباعهم .
وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر اللَّه به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وعذابه ونعيمه ، وما يكون يوم القيامة من الأهوال والشدائد والصراط والميزان والحساب والجزاء ونشر الصحف بين الناس فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، ويدخل في ذلك أيضًا الإيمان بالحوض المورد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بالجنة والنار ، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتكليمه إياهم ، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فيجب الإيمان بذلك كله وتصديقه على الوجه الذي بينه اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وأما الإيمان بالقدر فيتضمن الإيمان بأمور أربعة : أولها : أن اللَّه سبحانه قد علم كان وما يكون ، وعلم أحوال عباده ، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وغير ذلك من شئونهم لا يخفى عليه من ذلك شيء سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه : { أَنّ