الطلاق بين الشريعة والواقع
لفضيلة الأستاذ محمد جمعة العدوي
الأسرة هي اللبنة الحقيقية التي يقوم عليها المجتمع ، والأمة العظيمة هي تلك التي ترفرف على بيوتها السعادة والهناءة ، فينشأ الأولاد نشأة مؤمنة بعيدة عن العقد والانحرافات .
وديننا الحنيف يعطي مجموعة من الضمانات إن تحققت فلا شك أنها تخلق البيت السعيد .
وأول هذه الضمانات : هي أن الحياة الزوجية لا تقوم على أساس من نداء الجسد وإشباع الغريزة فإن الغريزة الجنسية وحدها لا يمكن أن تقيم بيتا سعيدا ؛ لأنها لذة عارضة إذا انقاد لها الإنسان فهي لا شك ستحوله إلى حيوان يبحث عن لذته فقط ، لكنها في نظر الإسلام أسمى من ذلك إنها مودة وسكن ورحمة وحياة مشتركة في الألم والأمل … يقرر القرآن تلك الحقيقة فيقول: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) .
أما الضمان الثاني: فهو الكيفية التي يتم بها اختيار الشريكة والشريك .. إن الزوجين حين يضمهما سقف واحد ، يسلم كل منهما للآخر مصيره ويأمنه على حياته ، وليس ذلك فقط بل إن نتائج هذا البيت من الأولاد لابد أن ترعاه يد أمينة قادرة على العطاء الدافع … وذلك لا يتيسر إلا لمن منحهم الله الاستقامة والتقوى . ومن هنا لابد أن يقوم الاختيار أولاً على أساس من الأخلاق والدين وإلى ذلك يؤكد رسول الله فيقول: لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين) ، ويعطي الرسول صلى الله عليه وسلم لأولياء البنات الأساس في اختيار الشريك فيقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
أما الضمان الثالث : فهو أن الإسلام لا يهمل الميول والرغبات والعواطف . فالبنت ليست متاعا يُباع ويشترى ، لكن لابد أن ننظر إلى ميولها فيمن تختاره . فمن حقها أن ترفض طالما أن هذا الرفض موضوعي (يروى ابن عباس رضي الله عنه أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي) ويعطي نبينا صلى الله عليه وسلم للميول والرغبات قاعدة عامة فيقول : (البكر تـُـستأذن في نفسها وإذنها صماتها) .
والضمان الرابع: أسهمت فيه كتب الفقه ، وهو أن ينظر الإنسان إلى نفسه قبل أن يفكر في الزواج … هل يملك القدرة على رعاية زوجته ؟ … ومن هنا أكد الفقهاء على شرطين : القدرة على النفقة والسلامة من العيوب التي تجعله عاجزًا عن ممارسة الحياة الزوجية ، ويحدد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) .
هذه الضمانات إن وجدت فهي لا شك كفيلة بمنح الحياة المطمئنة للزوجين . وهي إن وجدت فلن تدع فرصة للتفكير في الطلاق عند وجود الاستفزازات الطارئة التي لا يخلو منها بيت . لكن الحياة الزوجية قد يطرأ عليها ما يعكر صفوها ، وقد يكون ذلك مرجعه إلى سوء فهم بين الزوجين أو وجود عوامل خارجية يكتشفها الزوجان بعد ذلك ، وقد يكون منها تغير نظرة الزوج إلى زوجته ، بسبب اختلاطه بالآخرين حين يرى بحكم عشرته جوانب سلبية . بينما يرى في الأخريات جوانب كاملة ومبهرة لا يظهر غيرها في العادة ، فيبهره هذا الجديد ثم ينعكس ذلك على معاملته لزوجته .
ولقد وقف الإسلام من هذه المشاكل موقفين : الموقف الأول : هو القضاء على أسبابها من حيث المبدأ حين قرر مبدأ يلتزمه كل مسلم هو (غض البصر) ؛ لأن غض البصر في حد ذاته يجعل الإنسان قانعًا بما بين يديه ولا تتأتى له فرصة للمقارنة . كذلك فإن غض البصر لا يحرك فيه مثيرات جنسية إلا في حدود بيته فقط ، ومن هنا جاء توجيه الله سبحانه وتعالى إلى المؤمنين والمؤمنات (قـُـل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم … وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) .
ويدخل في منع المثيرات الخارجية عن الرجل ما حدد في قوله تعالى: (يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) .
والموقف الثاني: هو افتراض وجودها .. هنا يقول له الإسلام : إن الكمال في عالم المرأة لا وجود له . ومن الواجب على الإنسان ألا يدين المرأة بما يكرهه فيها ، بل لابد أن ينظر إليها ككل . فيه ما يبغض وفيه ما يسر . يؤكد رسولنا ذلك المعنى فيقول: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر ) .
ويلفت الله الأنظار إلى أن تقدير الإنسان الخير لنفسه لا يتأتى بحكمه على الشيء بالحب أو البغض ، بل هناك شيء في تقدير الله يجهله الإنسان ، وذلك يتمثل في قوله تعالى: (فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا) .
وقد تكون هذه الكراهة من الزوج مردها الرغبة في التغيير ، والنفور من زوجته التي لم يعد يألف فيها هذ الجمال الذي استهلك ، فهو تواق إلى تذوق صنف آخر من النساء يحب فيه ما افتقده في زوجته ، ورسو