الصوفية والسلفية
لفضيلة الشيخ محمد أمان بن علي
الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
لا يا فضيلة الشيخ…. الثرى غير الثريا
قرأت مقالات للدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر، نشره في جريدة الأخبار القاهرية في عدد يوم الجمعة 17 من شعبان 1396هـ- 13 من أغسطس 1976م – تحت عنوان “حول الصوفية والسلفية” والذي يظهر من المقال أن فضيلة الدكتور كان يحاول أن يثبت أنه يجيد الحديث عن السلفية كما يجيد التغني والترنم بالصوفية أو بعبارة أخرى كان يحاول أن يثبت أنه سلفي بقدر ما هو صوفي وخلفي إذ لا تعارض بينهما في نظره، وعلى هذا التخطيط دخل الإمام الأكبر ساحة الحوار وفتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يناقشه في هذه المقارنة المزعومة أو الوحدة بين السلفية والصوفية – على حد تعبيره – ودعوى عدم التعارض بين الصوفية والسلفية دعوى عارية عن الحقيقة بل لم تسق الدعوى بأسلوب علمي إذ لم يعرف فضيلة الشيخ كلا من الصوفية والسلفية حتى يدرك القارئ من التعريف الاتفاق أو الاختلاف ويدرك بالتالي هدف كل فريق. فدعوى عدم التعارض قبل التعريف وقبل الحديث المستفيض عن المنهجين تعتبر – في نظري – مغالطة لا تليق بمكانة شيخ الجامع الأزهر، ولكنها وقعت، قدر الله وما شاء فعل.
تعريف السلفية
السلفية نسبة إلى السلف، وهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام والتابعون لهم بإحسان، وهذا يعني أن السلفية هى التأسي بالرعيل الأول واقتفاء أثرهم لأنهم الذين أخذوا الإسلام غضا طريا من أقوال رسول الله التي سمعوها مباشرة ودون واسطة. ومن أفعاله التي شاهدوها بأم أعينهم، ومن اقراره حين يقرهم على ما فعلوه أو قالوه بحضرته وبين يديه عليه الصلاة والسلام. وهذا يجعلنا نجزم – أن كل خير وهدى وصلاح ينحصر في المنهج السلفي عقيدة وعبادة أو معاملة وأخلاقا وسلوكا… بحيث لا يوجد الخير خارج هذا المنهج، وقد صدق من قال:
( وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف)
ولا يشك في ذلك من يعرف القوم وما كانوا عليه وما يهدفون إليه.
هدف السلف
وهدف القوم هو التقرب إلى الله بعمل صالح خالص وصواب مبتدعين غير مبتدعين، والعمل الصالح الذي يتقرب به العبد إلى الله لا بد له من هذين القيدين:
أ. أن يكون خالصا أريد به وجه الله فقط أي بعيدا عن الرياء والسمعة.
ب. أن يكون صوابا أي موافقا هدى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
هذه هى السلفية وهذا هو هدف السلفيين بإيجاز.
تعريف الصوفية
أولا وقبل كل شيء أن لفظة التصوف بضاعة أجنبية مستوردة غير عربية بل غير إسلامية، وهى يونانية الأصل إذ لم يعرف التصوف في الإسلام إلا في المائة الثالثة عندما ترجمت كتب اليونان إلى العربية ودخلت على المسلمين أفكار أجنبية غربية، ومن ضمنها فكرة (التصوف) وهى تعني – كما يقول بعض الباحثين (التصوف في الإسلام – للدكتور إبراهيم هلال بتصرف) (طلب النفوذ إلى الأسرار الخفية أو المعاني الكونية المغيبة واتخاذ الطرق والوسائل للوصول إلى ذلك) ويرون أن الطريق إلى ذلك هو تهذيب النفس. وتهذيب النفس لا يتم – في زعمهم – إلا بتعذيب الجسم بالجوع والعطش والحر والبرد وغير ذلك من أنواع التعذيب ظنا منهم أن هذا النوع من التعذيب مما يحبه الله ويرضاه جاهلين أو متجاهلين موقف الإسلام منه وهو منهى عنه في هذا الدين السمح إذ يقول الرسول عليه الصلاة والسلام حين علم أن رجلا يعذب نفسه بنوع من العبادة: (إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه) والخبير بطقوس الصوفية لا يشك أنها طقوس مركبة من عبادة الهندوكية والبوذية والمسيحية واليهودية. وتلتقى كلها عند تجريد الروح وتقديسها والمبالغة فيها مع إهمال الجانب المادي في الإنسان، والإنسان مكون من الروح والجسد، ومن الجهل بمكان إهمال أحد الجانبين والمبالغة في الجانب الآخر، هكذا يتضح أن الصوفية مجموعة أفكار أجنبية دخيلة على الإسلام وليست من الإسلام لفظا ومعنى.
وبعد.. فأين الثرى من الثريا؟ الثرى تحت الأقدام والثريا فوق الرؤوس وبين الثرى والثريا بون شاسع ومادتهما مختلفة، فهل يصدق بعد هذا كله من يدعى الاتفاق بينهما وأنهما شيء واحد؟ والجواب لا طبعا.
وكذلك النسبة بين الصوفية والسلفية وبالله التوفيق. لذا أجدني مضطرا لأن أقول لفضيلة شيخ جامعة الأزهر: (لا يا فضيلة الشيخ الثرى غير الثريا) ما أبعد المسافة بينهما مع تباين مادتهما!!
ومما يلاحظ: أن فضيلة الإمام الأكبر حاول في مغالطته – لو صح هذا التعبير – أن يذر الرماد في عيون القراء ليخدع البسطاء الذين لا يفرقون بين الغث والسمين فسرد عدة أسماء لأشخاص يراهم من سادات الصوفية.
1- الجنيد. 2- أبو يزيد البسطامي.
3- الشاذلي. 4- الفضيل بن عياض. 5- بشر الحافي.
فنسب إليهم عبارات توحى بظاهرها أنهم على هدى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن هؤلاء من هو معروف أنه منهم بالاتفاق مثل جنيد، ومنهم م