الصاوي علي الجلالين
بقلم
الدكتور عبد الكريم دهينة
ليت في الأزهر الشريف ثورة فكرية يقوم بها أمجاد من شباب العلماء المحدثين الذين لم تخلص إلى أفئدتهم هذه الأفكار القديمة من تراث الفرق الضالة من الباطنية والفاطمية والشيعة، والزنادقة الذين تسربلوا لباس (العقلانية) ليقضوا على بقية ما بقى من نور الإسلام وصراطه المستقيم: تراث السلف الصالح من الصحابة والتابعين وحملة ألويتهم الخفاقة التي أذن لها اللَّه أن ترفع، وجالوا في ميادين الفكر الإسلامي مستنيرين بهدى اللَّه ونوره لم يخرجوا قيد أنملة عن ذلك، ولو ذهبت وأحصيت حماة الشريعة على فهرس الحروف الأبجدية لهالك كثرة الأسماء التي تعلقت بكتاب اللَّه وبلغت الألوف، ووقفت نفسها لهذا الدين المبارك، فلم تشط ولم تنط، ولم تدع الولاية والوصاية على هذا الكون، ولم تدع الأسرار الربانية، والنفحات القدسية، وعلم اليوم والغد والأمس قبله، بل كانوا حجة في الفقه بأبوابه جمعاء من الفرائض والمعاملات والعقائد والسلوك.
وفي وسط هذا الخضم من الماء العذب الفرات تطفح فقاعات من الزندقة يوحى بها إبليس إلى بطانته من الإنس، طبقا لعهده الذي أخذه على نفسه أمام رب العالمين، في العالم السرمدى القديم قائلا: {فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.
ولم يترك اللَّه إبليس ليشاء في الكون كما يريد هو، فإنما أعطاك اللَّه مشيئة أقوى من مشيئته، وقال لك: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} ولن يتغلب الشيطان وكيده على الإنسان إلا إذا مرض الإنسان نفسيا، ومن بؤرة هذا المرض يستكن الشيطان فينفث خبائثه، كما يستكن الذباب على الجرح الدامى ينفث فيه سمومه.
وعهد إليك اللَّه – بالفطر ة أولا، وبالعقل ثانيا، وبالرسالة وهى الأهم ثالثا – بالتوحيد، والبعد عن الشيطان وألاعيبه بتقوية النفس، ولن تقوى النفس بدون الغذاء الربانى، وليس الغذاء الربانى مددًا من السماء تنتظره، أو وحيا تلقائيا تقعد إليه، بل إن المدد والوحي يأتيان من أتباع التشريع السماوى ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب اللَّه وسنة رسوله)).
هذه المقدمة لعلها طالت لكلمة أقولها حول كتاب لا أحسبه لا يزال يدرس في الأزهر، فقد كنت أسمع وأنا يافع من يفتخر من طلبة المعاهد في الريف ويقول بملء فيه: أنا حضرت شرح الصاوى على الجلالين. فتسكت العامة لأن هذا الشيخ الصغير قد حضر (الصاوى) وأنه بذلك أصبح في القمة من العلم والولاية، ونسكت نحن وكنا طلبة مدارس خوفا من العامة الذين سيتهمونا بالكفر.
والآن سأعرض أمام فطرة القارئ السليمة، وعقله العادى الذي وهبه اللَّه له، فإن أحسن قبول (المدد العقلى) كان من أهل الجنة , وإن أساء قبول هذا المدد، وجرى وراء الخرافات والأساطير التي توحيها النفس المريضة ومن ورائها ساكنها (الذي ران عليها) إبليس كان من أهل النار {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
مؤلف الكتاب يدعى الشيخ أحمد الصاوى من عصر المماليك ويلقب نفسه بالمالكى الخلوتى: المالكى مذهبا والخلوتى طريقة، وكلاهما لا بد لهما من شرح وحاشية، مثل حاشية الدردير على الصبان على الأشمونى على ألفية بن مالك، هذا يلغز هذا، وذاك يعضل ذاك، والأخير يخرجك من الموضوع وقد أصبت بصداع عقلى ونفور ذهنى وبلادة وشك.
وانظر معى، ما يقرره الصاوى على الجلالين وما كان يدرسه علماؤنا قديما، ويقومون بتدريسه لفئات الفلاحين في القرى والدساكر والحضر والأمصار للعوام وغيرهم.
1- يقرر الشيخ الصاوى في شرحه على الجلالين ص 13 أن هناك فناء في ذات اللَّه (سبحانه) وأنه بعد وصول العبد إلى مقام الفناء أحل له كل شيء فهو يقول:-
وبعد الفنا في اللَّه كن كيفما تشا فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر
ملحوظة: بعض أتباع الصوفية الحديثة من أولياء الشيطان يفسرون أو بالأحرى يدافعون عن ساداتهم القدماء بأنهم لا يقصدون الفناء في اللَّه ذاته، ولكنهم يقصدون الفناء في عبادة اللَّه. وهو دفاع بائخ كبوخ الثعبان نفثات السم، فلم تعرف الشريعة الإسلامية اصطلاحا، بأن هناك نوعا في العبادة يقال له مرتبة (نوع فناء في العبادة).
2- يقرر الشيخ الصاوى أيضا على لسان أحد المريدين أو الأبدال أو الأنجاب أو….. إن هذا المريد قد خلق قبل آدم عليه السلام ففي ص 19 يقول:
فإني وإن كنت ابن آدم صورة فلى فيه معنى شاهد بأبوتى
أى أنه أبو آدم. أرأيت أيها القارئ وقاحة الصوفية، أو بالأحرى أولياء الصوفية الذين يعطبون المعترضين ويسلبونهم حياتهم وأولادهم ويطردونهم يوم القيامة عن حياض الكوثر (راجع الولاية للحكيم الترمذى) وهو حكيم غير الترمذى المحدث المعروف، إنه حكيم من حكماء الصوفية وله شروح أقرأها إن شئت واحذر أن تستهويك حكمته فتضحوا حيران تدعو إلى الهدى (إن الهدى هدى اللَّه).
وليس هذا الوحيد هو الذي ادعى هذه الدعوة


