السنة النبوية
بقلم: علي بدر الطنطاوي
سكرتير جماعة أنصار السنة فرع منوف
السنة لغة هى السيرة حسنة أو قبيحة، ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) (صحيح مسلم).
ما هى السنة
هى في الإصطلاح الشرعي كل ما أثر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير. أما القول فهو أحاديثه عليه السلام التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات كقوله (لا ضرر ولا ضرار) (متفق عليه) وقوله: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) (الشيخان) وأما الفعل فهو أفعاله التي نقلها إلينا الصحابة مثل وضوئه عليه الصلاة والسلام وأدائه الصلوات الخمس بهيئاتها وأركانها وكيفية أدائه مناسك الحج… إلخ..
وأما التقرير فهو ما أقره عليه السلام مما صدر عن بعض أصحابه من أفعال وأقوال: سواء بسكوته وعدم انكاره أو بموافقته واظهار تأييده فيعتبر ما صدر عنهم بهذا الاقرار كأنه صدر عن الرسول ومن قبيل ذلك اقراره في الأعياد على مثل غناء الجاريتين ومثل لعب الحبشة بالحراب في المسجد.
منزلة السنة في الإسلام
والسنة النبوية هى أحد مصادر التشريع الإسلامي ويجب العمل بها لقوله تعالي: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59].
والسنة تأتي بعد القرآن في المرتبة لأن القرآن هو الأصل والسنة جاءت شارحة مبينة له. فضلا عن أن القرآن مقطوع به جملة وتفصيلا بخلاف السنة فمقطوع بها على الجملة لا على التفصيل.
والسنة مع القرآن على وجهين:
أولهما: بيان وتفسير ما جاء في القرآن كبيان كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وتحديد نصاب الزكاة وكيفية أداء مناسك الحج… إلخ.
ثانيهما: إضافة أحكام جديدة لم يرد بها نص من القرآن كاثبات الشفعة وجواز خيار الشرط، وتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وتوريث الجدة… إلخ.
تدوين السنة
أولا في عهد الرسول:
في أول الإسلام كان الرسول عليه السلام ينهى عن كتابة الحديث مخافة أن يختلط الحديث بالقرآن. فكان يقول: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه – صحيح مسلم). حتى إذا شاع القرآن بين المسلمين وأصبحوا يتلونه آناء الليل وأطراف النهار ويميزونه عن الحديث سمح الرسول بكتابة الحديث من ذلك ما روي أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال للرسول: يا رسول الله أني أسمع منك الشيء فأكتبه، قال: نعم: قال عبد الله: في الغضب والرضا، قال عليه السلام (نعم فإني لا أقول إلا حقا – سنن أبي داود). ولذلك فقد عرف في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) مدونات حديثية أخرجها بعض الصحابة كابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله الانصاري وكان أشهرها صحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو ضمت ألف حديث، وقد سماها كذلك بقوله. (هذه الصادقة فيها ما سمعته عن الرسول صلى الله عليه وسلم وليس بيني وبينه فيها أحد) هذا فضلا عن أنه كان بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكثير من بطون العرب وطوائف اليهود والنصاري وغيرهم كتب ومعاهدات مدونة كما كان الرسول يكتب إلى أمرائه وعماله وقواد جيوشه، وكذا إلى ملوك وأمراء الدول المجاورة، فيما يتعلق بالدعوة إلى الإسلام وبيان أحكامه.
غير أن هذه المدونات كانت قليلة ومحدودة الأحاديث، إذ كان الصحابة يؤثرون حفظ الحديث على كتابته تثبيتا لأنفسهم وكما عبر أنس بن مالك (كنا عند النبي- صلى الله عليه وسلم – فنسمع منه الحديث فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه).
ثانيا – في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين:
كان همهم الأول، المحافظة على القرآن حيث جمع في عهد الصديق ونسخ في عهد عثمان وبعث به إلى الآفاق فلم يحرصوا على تدوين السنة خشية أن يشغل المسلمون بكتابتها ويدعوا القرآن وهو المصدر الأساسي للتشريع الإسلامي لا سيما وقد اتفق رأي الصحابة حينئذ بأنه لا ينبغي أن يطلب المرء الحديث إلا بعد قراءة القرآن وحفظه كله أو أكثره حتى روى أن عمر بن الخطاب فكر في تدوين السنة غير أنه عدل بقوله (إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا. فانكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدا).
ورغم ذلك فقد ثبت عن أبي بكر كتابة شيء من السنة وكذلك عن عمر بن الخطاب وذلك حين أمنوا حفظ القرآن. إلا أن ما دون في عهدهم من السنة كان أيضا محدودا وذلك لشدة ورعهم وتقواهم ودقتهم في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم (فالذي يحدث إنما يدخل بين الله وعباده). فكانوا لا يروون الحديث إلا عند الحاجة، وهذا ما يفسر لنا انكار عمر بن الخطاب على الصحابي أبي هريرة الاكثار من رواية الحديث. كما أنهم حين يروون الحديث كانوا يت