السنة النبوية في المؤتمر
بقلم: عنتر أحمد حشاد
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي».
فمرجع الشريعة الإسلامية في عقائدها، وعباداتها، وحلالها وحرامها، وحدودها، وجميع أحكامها – هذان الأصلان الشريفان: القرآن الكريم، والسنة النبوية.
ومنزلة السنة النبوية من القرآن الكريم منزلة البيان: تفسر مبهمه، وتفصل مجمله، وتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتشرح أحكامه وأهدافه، وتجئ بأحكام لم تذكر في القرآن الكريم تتمشى مع قواعده، وتحقق مراميه وغاياته، كما قال سبحانه: ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) [النحل: 44].
فلولا السنة النبوية: الفعلية والقولية ما عرفنا الصلاة: كيفيتها، وأركانها، وشروطها، وآدابها، وسننها، ومبطلاتها، وسائر أحكامها.
وقل مثل ذلك في الزكاة، والحج، والصوم. وغير ذلك كثير.
والله تعالى يقول: ((مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) [النساء:80] ويقول: ((وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر: 7] ويقول: ((وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)) [النور: 54] ويقول: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [النور:63]ويقول: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران:31] ويقول: ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [النساء:65].
وإن جماعة من المستشرقين المغرضين أعداء الدين، واتباعهم من المسلمين الذين رق دينهم، وفُتنوا بالغرب وعلمائه – يحاولون أن يشككوا في صحة ما بأيدينا من كتب السنة النبوية الموثقة، لينفذوا منها إلى هدم الشريعة، والتشكيك في وقائع السيرة.
هؤلاء وأمثالهم هم الذين حدثنا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقوله المقدام بن معد يكرب: ((حرم النبي صلى الله عليه وسلم أشياء يوم خيبر، منها الحمار الأهلي وغيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي، فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه. وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله)).
ولكن الله الذي تكفل بحفظ دينه قد هيأ لهم من يرد سهام باطلهم،وكيدهم إلى نحورهم. فمن المستشرقين المنصفين أنفسهم نجد منهم من أبدى إعجابه بالجهد الكبير الذي بذله المسلمون لحفظ الأحاديث النبوية، وتمييز صحيحها من ضعيفها ( والفضل ما شهدت به الأعداء).
قال المستشرق جوينبول (كاتب مادة الحديث في دائرة المعارف الإسلامية): «لا يعد الحديث صحيحاً في نظر المسلمين إلا إذا تتابعت سلسلة الإسناد من غير انقطاع، وكانت تتألف من أفراد يوثق بروايتهم، وتحقيق الإسناد جعل علماء المسلمين يقتلون الأمر بحثاً، ولم يكتفوا بتحقيق أسماء الرجال وأحوالهم لمعرفة الوقت الذي عاشوا فيه وأحوال معاشهم، ومكان وجودهم،ومن منهم كان على معرفة شخصية بالآخر، بل فحصوا أيضاً عن قيمة المحدث صدقاً وكذباً، وعن مقدار تحريه للدقة والأمانة في نقل المتون ليحكموا أي الرواة كان ثقة في روايته (1)».
ونوه الأستاذ (آدم ميتز) في كتابه: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري بالدور العظيم الذي قام به علماء الحديث في تدوين السنة النبوية وخدمتها، فقال: «وقد اعتنى نقاد الحديث منذ أول الأمر بمعرفة رجال الحديث، وضبط أسمائهم، والحكم عليهم بأنهم ثقات، أو ضعاف، ثم نظروا في الأساس الذي يبنى عليه هذا الحكم، أعنى الصفات التي يجب توافرها في المحدث الثقة، وهي ما يعرف بالجرح والتعديل.
وقد أدت بهم حاجتهم إلى السند المتصل أن يتجاوزوا البحث في حياة الرواة والحكم عليهم إلى عمل تاريخ كامل لهم، وهكذا وجدت تواريخ القرن الثالث الهجري، مثل: تاريخ البخاري، وطبقات ابن سعد..إلخ (2).
وها نحن أولاء اليوم نرى من علمائنا الأجلاء المخلصين من يهتمون بالسنة النبوية، فيعقدون لها المؤتمرات، ويقدمون فيها البحوث.
وإن مؤتمرنا العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية يهتم بهذا الجانب، ويوليه عنايته الكبيرة (3)، فقد انفرد عن سابقيه بإضافة السنة النبوية إلى جانب السيرة النبوية، ليكون أعم وأشمل.
وتوضيحاً لهذه الغاية والهدف من هذا المؤتمر نقتطف من الكلمة الافتتاحية لفضيلة رئيس المؤتمر الشيخ عبد الله إبراهيم الأنصاري هذه الإشارات:
«ونحن إذ نلتقي اليوم لنبحث سيرة هادي البشرية ومعلمها عليه الصلاة والسلام – ومن أحق منا بدراسة سيرته في كل وقت وحين، وبخ