الرد الفاضح لكتاب السيد صالح
للأستاذ : محمود محمد خليل
من أهم المسائل الإسلامية التي اعتنى بها جمهور المسلمين مسألة الحديث النبوي ولقد تلقى علماء هذا الفن ذلك الأمر بكل دقة وعناية في نقد الرجال حتى صار الجرح والتعديل علمًا مستقلاً ولم يترك حفاظ الحديث كلمة أو فعلا أو تقريرا نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا وتعقبوه بالتخريج والتمحيص وكان رأس هؤلاء الحفاظ ابن حجر وابن عبدالبر والعراقي وكانت شدتهم واضحة في نقد الرجال حتى قال ابن القيم عن يحيى بن معين: (هو من أشد الناس مقالة في الرجال) [زاد المعاد 1/78]، وسار علماء الحديث على هذا النحو الشاق يظهرون الخطأ من الصواب والضعيف والموضوع وقاموا بتقسيمه إلى مرسل ومرفوع ومنقطع ومعضل ومتفق عليه ومتواتر إلى غير ذلك مما جاء في مصطلح الحديث .
فخلف من بعدهم خلف قصرت هممهم عن الوصول إلى تلك الدرجات فما كان منهم وهم على هذه الحال من الجهل الفاضح إلا أن يرفعوا رؤوسهم إلى قمم شامخة أصلها ثابت وفرعها في السماء فبدلا من مناقشة الحديث النبوي نقاشًا علميًا اتجهوا إلى عقولهم لرفض كل حديث لا يوافق هذه العقول!
إن الأمر لو توقف عند هذا الحد لكان هينًا ولكن حينما صدر أخيرًا كتاب (الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية) لمؤلفه السيد صالح الذي جعل هذا الكتاب لتطهير البخاري خاصة كما يزعم عجيب كل العجب فإنني أعرف الزميل سيد صالح عن قرب وأعرف طريقة عرضه وما أن بدأت في قراءة هذا الكتاب حتى وضح لي ما كنت أعرفه أكثر إن طريقة هذا الزميل أنه يصطنع كذبًا من دماغه هو ثم ينسبه إلى البخاري ويقوم بعد ذلك بتكذيب الذي صدر منه ليبين في النهاية أن البخاري افترى على الإسلام كثيرًا من الأكاذيب!!
رأيت من واجبي أن أبيّن للمسلمين جميعًا هذا الزور والبهتان على أن يخرج إليهم بحثي حول هذا الكتاب في مقالات متتالية على الوجه التالي:
1- الأكاذيب التي نسبها السيد صالح إلى البخاري وهو بريء منها.
2- أحاديث حكم الحفاظ عليها بالوضع ومع ذلك ذكرها المؤلف في كتابه ليبطل بها الأحاديث الصحيحة .
3- إثبات أن المؤلف ليس جاهلا بالحديث فحسب بل جهله التام بالقرآن الكريم والتحريف فيه .
4- دفاع عن أبي هريرة وتفنيد شبهات المعرضين ضد رواية الإسلام .
الموضوع الأول :
الأكاذيب التي نسبها السيد صالح إلى البخاري وهو بريء منها.
ملحوظة: تقضي الأمانة العلمية أن أذكر ما ذكره المؤلف بالنص وهذا ما يجعلني أكتب أن المؤلف لا يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكر اسمه ولكنه يكتفي بذكر حرف (ص)!
1- في صفحة 133 من الكتاب يقول عن حديث الإسراء والمعراج الوارد في البخاري (مجلد 1 كتاب 2 ص97) أن الحديث فيه (رؤية النبي لآدم في الجنة يبكي حينًا ويضحك حينًا) ثم عاد في صفحة 139 ليعلق على الموضوع فيقول: (الموضوع الرابع في الحديث وهو رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لآدم يبكي في الجنة إذا نظر يسارا ويضحك إذا نظر يمينا بسبب تعذيب أبنائه في النار وتمتع الصالحين في الجنة) ا.هـ.
ولقد رجعت إلى صحيح البخاري (مجلد 1 كتاب 2 ص97) والذي أشار إليه المؤلف فلم أجد هذا اللهو الفارغ من أن آدم يبكي في الجنة مع أن السيد صالح كررها (في الجنة) خمس مرات في الموضعين وإنني أحيلك أيها القارئ المسلم الآن إلى نفس الموضع في صحيح البخاري ليظهر لك خبث نية المؤلف وأنه لا يريد إلا الباطل اقرأ:
(فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسورة وعلى يساره أسورة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم).
فأين الجنة التي رأى السيد صالح آدم يبكي فيها؟!
لقد ظهرت براءة الإمام البخاري فمن نتهم؟!
هل نتهم الصادق الذي قال فيه ابن القيم : (أجلّ من صنّف في الحديث الصحيح هو البخاري) زاد المعاد (1/78).
أم نتهم الكاذب الذي اخترع جنة وأدخل آدم فيها وأبكاه فيها؟!
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) ، ومن البلاء أن المؤلف علق على كذبه مرة أخرى صفحة 234 فليراجع.
2- في صفحة 153 من الكتاب يقول السيد صالح الحديث رقم 12 : وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في فم عبدالله بن الزبير عند ولادته وحنكه بالتمر (البخاري مجلد 2 كتاب 4 ص 79).
ومرة ثانية أحيل القارئ العزيز إلى المرجع الذي ذكره السيد صالح وليبحث عن كلمة (بصق) ولن يجدها إلا في الجنة التي اخترعها المؤلف في المصيبة السابقة اقرأ:
(عن أسماء أنها حملت بعبد الله ابن الزبير قالت فخرجت وأنا مُــتِم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام) . وإنن