الدولة ومسئوليتها نحو الأخلاق
بقلم: الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
إذا كان هناك عدو خارجي تخشاه الدولة دائمًا وتعمل حسابه وتجند له الجنود، وتبذل ما وسعها في هذا المجال من مال ومن خبرات فنية وحربية، فكذلك هناك عدو داخلي، عليها أن تخشاه أيضًا، وتعمل له حسابه كهذا العدو الخارجي تمامًا بتمام، بل إن طبيعة الأمور وتاريخ الحياة يبين أن التغلب على هذا العدو الداخلي إحدى الوسائل الهامة للتغلب على ذلك العدو الخارجي. هذا العدو الداخلي، هو التحلل، والانحراف، والزيغ عن سنن الأخلاق، وعن طريق الآداب، وقد ظهر هذا العدو الداخلي بشكل أصبح فظيعًا، ومنفرًا، وأصبح يعطي لنا طابعًا غير كريم، ويصمنا بوصمات التحلل والخلاعة والمجون.
فهذا هو منظر النساء اللائي خلعن برقع الحياء، وصرن يسرن في الشوارع، ويخرجن من بيوتهن، مظهرات ما لا يحل إظهاره، كاشفات شعورهن، وقد ظهرت صدورهن وأعناقهن تحت ذلك الشعر الذي حسرن عنه وظهرن بشكل الجني، أو بشكل الذي فقد عقله وأصابته لوثة أو أصابه حادث فجائي جلل، فخرج من بيته وهو لا يدري بنفسه على أية حال خرج يستغيث ويعلن عن الشر الذي نزل به.
إن كشف شعر المرأة لم يعرف عند العقلاء، إلا علامة خطر ونذير شر حاق، وقد كنا قبل أن تجرفنا (موضة) هذا القرن نؤمن بذلك وندين به، أما الآن فقد تحول عند الغالبية العظمى من نسائنا وبناتنا إلى عرف عام، عرف منكوس، وأصبحت الدولة، وأصبح الشعب لا يرى للمرأة مظهرًا غير ذلك، وأصبح من العادي جدًا عند الكثيرين أن تخرج المرأة بهذا الشكل المجنون من بيتها أو من عند مصفف الشعر، أو ما يسمونه الكوافير، أو حلاق السيدات.
وتخرج من بيتها إلى العمل، وإلى الديوان، وتجلس وسط الرجال الأجانب، أو الزملاء في العمل، لتكون مرآة لا شغل لهم إلا النظر إليها، والتعليق على كل ما فيها: ما لبسته من ملابس، أو حذاء أو حلي، وما وضعته من وردة أو (بروش) وما وضعته من (باروكة) أو تصفيف شعر، وكذلك ما وضعته من أصباغ، كأن ذلك الرجل أو غيره من قرنائها في العمل ممن تجلس بينهم أو تتعامل معهم سيدة مثلها أو زوج لها !!
هذه المرأة التي وصلت إلى هذا الدرك الأسفل من الامتهان والابتذال والتبذل، ليس بمعقول أن تحذق خلقًا، أو تحوي أدبًا، تؤدب به طفلاً، أو تربي ابنة، وليست الفتاة التي تفعل ذلك، أقل من هذه المرأة في هذا المجال، وكلتاهما ليست بالزوجة المسعدة لزوجها فتطيعه، وتعمل على مرضاته، وتقدره كما هو حقه عليها، لأنها بذلك قد انصرفت عنه إلى زينتها، وإلى إعجاب الناس بها !!
ولم تعد تلك المرأة التي قال فيها رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: ” والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسئولة عن رعيتها”، أين الإحساس بالمسئولية هنا في جو التهتك والتبذل والانشغال بما هو ومن هم خارج البيت؟
بل أين الرعاية التي أسندت إليها وطولبت بها كواجب عليها في الحياة، ولا واجب عليها دونه؟ هل تستطيع امرأة على هذا النمط أن تنظر إلى بيتها بعين الرعاية والتقدير والاهتمام؟ لا يمكن أن يحدث ذلك، فإن اهتمامها بنفسها كعارضة زينة وأزياء خارج البيت، قد استولى عليها كلية، ولم يعد في نفسها شيء لا للبيت ولا للولد، ولا للزوج. بل هي قد دمرت أخلاقيًا، حين دمرت كربة بيت وامرأة فاضلة، فلا مكان عندها للأمومة، ولا للزوجية، وإنما أصبحت ملهاة يتلهى بها أقرانها من الرجال، وشجرة متنقلة من أشجار الزينة.
إن هذا الدمار الأخلاقي قد انتقل منها إلى الولد وإلى الزوج وإلى المجتمع، فبعد أن كانت مصدر خير وبناء وعطاء كريم في هذه الجوانب الثلاثة، صارت عاصفًا يعصف بها، ويسير بالمجتمع إلى الهاوية.
وأقول للدولة أن هناك نوافذ أربع قد نفذ منها هذا الشر المستطير إلى المرأة، فاستولى عليها هذا الاستيلاء الذي أشقانا، وخلع حياة القردة على دنيانا، وهذه النوافذ، أو المنافذ: هي السينما، والإذاعة والصحافة وبيوت الأزياء بما فيها من بيوت حلاقة السيدات، وهذه كلها هي العدو الداخلي الذي تظنه الجماهير والقادة، بل وبعض العلماء الذين اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً، فعاصروا تلك المباءات الوبيلة، ودعوا المسلمين والمسلمات إلى العيش فيها وبها، كي تتم لهم المعاصرة، وفاز هؤلاء العلماء بعد ذلك، بالتقريب والإملاء لهم في العيش المهين المخزي- يظن هؤلاء جميعًا في ذلك الاخطبوط الرباعي أنه الصديق وأنه المظهر الحسن لحياة التقدم والمعاصرة!!
ألا فلننظر بعين التروي وفطرة الإيمان، إلى هذه النوافذ وما تقذفه علينا !! فستجد العقيدة الصحيحة والفطرة المستقيمة، أن هذه المنافذ أو النوافذ من أخطر الأعداء علينا، وأنه إن لم يكن إلا هي وبالاً وخطرًا، وعدوًا، فكفى بها تدميرًا وتأخيرًا وتضييعًا ومعاول هدم، وعناصر إفناء. وأعداء الإسلام من الصليبيين والصهيونيين قد قصدوا ذلك منها حين قدموها لنا، وأغرونا بها، وأشادوا بمن ضلعوا معهم في السير على منوالها، والتخلق بأرذل أخلاق