الدولة الدسوقية البرهانية الجديدة
بقلم فضيلة الشيخ محمد جمعة العدوي
الحلقة الثالثة
لعل البعض يتصور أننا نتجنى على الصوفية، أو نبالغ في تصوير أخطائها، أو نبحث عن التافه من أخطائها ونضخمه… والواقع أن ذلك كله مردود، لأننا نتتبع أفكارها بطريقة كلية من مصادرهم التي يرجعون إليها، ويقدسون ما فيها.
ولقد ناقشنا- من قبل- بعض أفكارهم من كتاب من أصل كتبهم المتداولة بينهم، وهو كتاب ( سيدي إبراهيم الدسوقي وأولياء اللَّه الصالحين ) من تأليف عبد التواب عبد العزيز.. وتبين لنا ما تمثله عقائدهم من خطر على الدين والمجتمع.. وتوقفنا عند بعض تقسيماتهم ( للولاية ) وكيف أنها عندهم ( طبقات ومراتب ) ومن هذه الطبقة ما يسمونه ( بالأبدال ).. ويفسرون معنى الأبدال بأنهم الأولياء الذين ( أعطوا من القوة أن يتركوا بدلهم حيث يريدون ).. ويفسر مؤلف الكتاب هذه الجملة بقوله: ( إذا سافر أحدهم أو ترك مكانه كان في قدرته أن يترك جسمًا على صورته في مكانه الأصلي، لا يشك أحد ممن أدرك رؤية ذلك الشخص أنه عين ذلك الرجل ).
والمتأمل لهذا الكلام يجد أن هؤلاء الدراويش يملكون القدرة على تشكيل ( ذواتهم ) بالشكل الذي يروق لهم، أنه يستطيع أن يخلق من نفسه شخصين في وقت واحد، شخص حاضر في المجلس وهو غائب عنه.. ومعنى ذلك أيضًا أنهم يملكون ما يملكه الجن من قدرة على الخفاء.. أو أنهم يريدون أن تضاف لهم معجزة نبي اللَّه موسى في السحر فيكون قد اجتمعت لهم معجزات الأنبياء السابقين على محمد ..
وإذا كان هؤلاء الدراويش يدعون أن رسول اللَّه قدوتهم وإمامهم وأنه البحر الذي يأخذون من فيضه، فإن المتتبع لسيرة رسول اللَّه وصحابته الأخيار يجد أنهم كانوا يتركون أماكنهم إلى أماكن أخرى.. ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يتركون أجسامًا على صورتهم في نفس المكان الذي يغادرونه كبديل لأشخاصهم الغائبة، مع أنهم كانوا أصفى قلبًا وروحًا من هؤلاء الدراويش. كانت السيدة خديجة تغادر بيتها لتذهب إلى رسول اللَّه وهو في غار حراء يعبد ربه، وكان من الممكن لرسول اللَّه أن يوفر عليها لهفتها عليه بأن يترك ( بدلا ) عنه في البيت.. وكان رسولنا . يسهم بين زوجاته إذا خرج للغزو، وقد كان من الممكن له أن يترك ( بدلا ) على صورته، ليطمئن قلب من تصحبه من زوجاته.. بل إن رسول اللَّه كان ينيب عنه من يقوم على أهله ومن يصلي بالناس ومن يتولى أمر المسلمين.. ما الذي يدعو رسولنا إلى علم هذا كله ما دام من الممكن أن يترك على هيئته ( بدلا ) مقام ذاته الأصلية، ليتولى كل تلك المهام… اللهم إلا إذا كان لهؤلاء ( البدلاء ) حظوة عند اللَّه ومقام يفوق مقام رسول اللَّه.
والغريب في الأمر.. أنهم يصورون هؤلاء ( البدلاء ) على أنهم حفظة هذا الكون، ولولاهم لخسف اللَّه بالأرض وما عليها، وينسبون إلى الحسن رضي اللَّه عنه قوله ( لولا البدلاء لخسف اللَّه بالأرض ).. ولا يمكن للحسن أن يقول قولا يصادم فيه كتاب اللَّه وسنة رسوله. وقد فتح اللَّه للمسلمين باب التوبة والرجوع إليه بالاستغفار والندم وذلك فضل اللَّه على المسلمين. والقرآن يؤكد هذه الحقيقة حين يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وكثير من آيات القرآن تؤكد أن اللَّه يقبل توبة التائبين.. وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه قال: ” من لزم الاستغفار جعل اللَّه له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب”. وعن أنس بن مالك أن رسول اللَّه . قال:: ” ألا أدلكم على دائكم ودوائكم: ألا إن داءكم الذنوب ودواءكم الاستغفار”…. وبناء على منطق هؤلاء الدراويش: فإن اللَّه يرفض دعاء الداعين واستغفار المستغفرين، وإن التوبة والدعاء والاستغفار لا يمنع العذاب والخسف أن يصب على المسلمين صبا، وإن وجود هؤلاء ( البدلاء ) هو الدافع للبلاء والخسف وهو الرحمة المهداة والأمان المرتجى.
ومن طبقات الأولياء عندهم أيضًا.. ( النقباء ) ويصفهم مؤلف الكتاب ( بأن اللَّه جعل في أيديهم علوم الشرائع المنزلة ).. وكلمة ( الشرائع المنزلة ) لا تعني إلا شيئًا واحدًا.. وهو أنهم يعرفون الكتب المنزلة على الأنبياء كالإنجيل والتوراة.. وفي استطاعتهم أن يميزوا منها ما حرف وما لم يحرف… ومعنى ذلك أنهم يعلمون الإنجيل الصحيح الذي ينص على الاعتراف بنبوة محمد رسول اللَّه … وبناء عليه.. فإن واجبهم نحو دينهم يفرض عليهم أن يبينوا ذلك حتى يدخل الناس في دين اللَّه أفواجا.. وليوفروا عناء المواجهة مع النصارى على المسلمين… وإذا كان لديهم علم بذلك ويكتمونه على الناس فإن قول اللَّه ينطبق عليهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَعِنُونَ}


