الدعوة إلى اللَّه والدعاة
لفضيلة الشيخ عبد العزيز عثمان النحراوي
يقول اللَّه عز وجل في سورة النحل مخاطبًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية.
لا ريب أن الدعوة إلى سبيل اللَّه أنبل الأعمال وأسمى الآمال، وأنها مهمة الرسل والأنبياء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأنه ليس هناك غاية أسمى أو مهمة أعلى من الدعوة إلى اللَّه تعالى وصاحبها أشرف الرجال ومعقد الآمال {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} صدق اللَّه العظيم.
على أن الداعى إلى اللَّه على كتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يلزمه حين يعرض دعوة اللَّه أن يكون كيسًا فطنًا، وفارسًا بطلاً، تزينه حكمة وروية، وإخلاص نية، مع خلق كريم، وهدى سليم، إلى صراط مستقيم، يخاطب اللَّه رسوله مادحًا مثنيا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ من اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [الآية من سورة آل عمران].
وتحدثنا كتب السيرة النبوية أن رسول اللَّه محمدًا وهو أول الدعاة كان خير مثل يحتذى، وأفضل نبراس به يهتدى، يقول أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: ( خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لى أف قط ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟ بل كان يقول: ما شاء اللَّه كان وما قدر فعل ).
وأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لقيه أحد أصحابه فقام قام معه، وإذا ودعه لا يترك يديه حتى يكون المفارق هو الذي يدعها، وأنه كان يحفظ مغيب أصحابه كما يحفظ محضرهم، يواسى مصابهم، ويأسو آلامهم، ويخفف شقاءهم، ويتفقد غائبهم، ويعود مريضهم، ويشيع جنائزهم.
ويردد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه، ويستمع إذا حدثه غيره. ثم إنه صلى الله عليه وسلم يرسم لأصحابه الطريق المثلى إلى النصيحة ومعالجة الأخطاء، حين يفد الأعرابي إلى المسجد وكان إذ ذاك من رمال وحصباء، فينتحى الأعرابي جانبًا من المسجد ثم يبول فيه، فيقوم بعض المسلمين لينهره ويزجره ويؤنبه على فعلته هذه !..
ولكن الرسول الداعى إلى اللَّه في حكمة وإيمان يخاطبهم قائلا: ” لا تقطعوا على الرجل بولته أريقوا عليها سجلاً ( دلوًا ) من ماء” الحديث.
بهذا المسلك التربوي الهادئ قاد رسول اللَّه أمة كانت على جهالة جهلاء وفي ضلالة عمياء إلى منارات التوحيد وأعلام الإيمان، ولا غرو فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه، وعلمه فأتم تعليمه، وأمتن عليه بقوله الكريم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} صلى اللَّه عليه وآله وسلم.
فما أحرانا نحن الدعاة إلى اللَّه في هذه المتاهات من الإلحاد والفساد، والزيغ والضلالات- أن نتأسى برسول اللَّه، وأن نقبس من سيرته وهديه مشاعل تضئ للناس سبيل الحياة، متمثلين قول الحق جل في علاه: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ…..}.
هذه كلمة موجزة أرت بها وجه اللَّه، اقتضاها الخاطر المكدود مع البضاعة المزجاه على عجالة من أمرى وشتات في فكري، نسأل اللَّه أن يجزى الجميع عن الدعوة خير الجزاء وأن ييسر لنا الخير حيث شاء، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبي الرحمة،وهادى الأمة، وكاشف الغمة، محمد صلى اللَّه عليه وعلى من اهتدى بهداه.
عبد العزيز عثمان النحراوي
مدرس أول اللغة العربية بالمعاش
فايل 1RB
12
– 3 –