الدعوة إلى إلغاء كلمات من القرآن
بقلم محمد جمعة العدوي
النظر في كتاب الله، واجتلاء معانيه، كلها أمور واجبة على المسلم … وقد عاب الله قوماً لم يتدبروا آيات الله، وجعل هذا سبباً من أسباب مرض القلوب فقال: ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد: 24].
وإذا كان من واجبك أن تتدبر آيات الله، فإن ثمرة هذا التدبر شيء يخصك فقط. فإذا أردت أن تنشره على الناس على أنه نتيجة لجهدك الفكري، فلا بد لذلك من أمور متعددة، على رأسها التسليم بكل ما جاء به هذا القرآن، ولو كان لا يتفق وفكرك ولا يخضع لهواك. فما دمت قد أعلنت الخضوع لله، فليس لك فيما حكم به الله رأي التماساً لقول الله: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ )) [الأحزاب: 36] وإلا كنت من هؤلاء الذين يقول الله فيهم: ((فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:7].
ومن هنا فإننا ننكر على الأستاذ إيهاب الأزهري وكيل وزارة الإعلام ومدير إذاعة الشباب ما كتبه في الأهرام حول أمية الرسول. حين قرر بأن وصف النبي بأنه أمي، وتكرار هذا الوصف على ألسنة الدعاة يقف عائقاً أمام محو أمية الكبار حيث جاء في القرآن الكريم ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) [الأحزاب:21] فيرى الكبار أن متابعة النبي في الأمية، اقتداء محمود به ما دام هو الأسوة الحسنة.
والكاتب بهذا الكلام يتأفف من وصف رسول الله بالأمي، ويضيق ذرعاً بهذا الوصف لرسول الله.. وهذا كله بلا شك إنكار على الله حين يصف رسوله في القرآن بالأمي في قوله تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ))[الأعراف:157] وأيضاً في قوله تعالى: ((فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) [الأعراف:158].. وينكر أيضاً قوله تعالى ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) [الجمعة:2]..
وقد قرر الرسول أميته ولم يأنف منها كما رُوي في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب)) والذين سبقونا بالإيمان بينهم إجماع على أن أمية الرسول هي أنه لم يكتب ولم يقرأ ولم يحسب.. فهذا ابن عباس يقول: ((كان نبيكم صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب)).. وقد فسر القرطبي قوله تعالى: ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ)) بأنه منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها)).
وبعض اليهود كانوا يعاملون العرب على أنهم أميون. وهذه الأمية في نظر اليهود، تعطيهم الحق في أن يغدروا بالعرب الأميين،ولا يوفون عهودهم معهم، ويزعمون أن دينهم يأمرهم بذلك. وقد حكى القرآن عنهم ذلك حين قال ((وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) [آل عمران:75].
كذلك لم يقل أحد أن أمية الرسول داخلة في مجال الأسوة، لأن موضع الأسوة الحسنة في رسول الله مقصور الأخذ فيه على الاعتقاد الصحيح والخلق الطيب. والسلوك الحميد. وهو المعنى بقوله تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)) [الأحزاب:21].
فالأمية بالنسبة لرسول الله معجزة من المعجزات التي امتن الله بها عليه حيث يقول: ((وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)) [العنكبوت:48] ويقول: ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [الشورى: 52] ويقول الله أيضاً: ((وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِت