الخير كل الخير
في طاعة اللَّه
لفضيلة الشيخ زكريا الزوكة
مدير عام المساجد
يقول الله تعالى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ سورة النور ] .
طاعة الله والانقياد لأمره ، والاستسلام لحكمه هي الثمن المقابل لخلق الله لنا ورزقه إيانا ، هي أفضل مظاهر العبودية التي ندلل بها على حسن الإيمان ، وشكر النعمة : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } .
لهذا كان أول واجبات المسلم أن يحرص على هذه الطاعة حرصه على عمره ورزقه وأن يعدها لازمة من لوازم الإيمان لا يتم إلا بها لا فرق في ذلك بين طاعة خفيفة المحمل وطاعة ثقيلة المؤنة : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا } .
ولما كان الجزاء – عادة – بعد البلاء – فقد اختبر الله عباده ليعلم أيهم أحسن عملاً ، وأيهم يستحق الجزاء الأوفى ، من هنا نرى كثيرًا من أوامر الله ونواهيه : تصادم رغبات القلب ، وطبائع النفس وجبروت الهوى .
وما باللَّه – جلت حكمته – رغبة في إعنات الناس أو إرهاقهم بما تنوء به طاقتهم ولكنه يريد أن يكشف عن مدى طاعة العبد واستسلامه أو تمرده وعصيانه فمن يطع ويستسلم يسلم ويسعد ويتبدل ضيقه فرجًا وعسره يسرًا .. وإليك طائفة من الأمثلة التي تكشف عن ثمرة الطاعة وعاقبة الطائعين :
1- يذهب إبراهيم ( بزوجته هاجر وطفلهما إسماعيل إلى واد غير ذي زرع ، وليس حولهما أنيس ، وليس معهما من الماء والزاد إلا القليل ثم يتركهما وينقلب عائدًا إلى بلده البعيد ، وتناديه هاجر بصوت يحبسه الأسى وتخنقه العبرات : أتريد حقًّا أن تتركنا يا إبراهيم ؟ فيقول : نعم ، فتقول : أاللَّه أمرك بهذا ؟ فيقول : نعم ، فتقول راضية عن الله مطمئنة إلى عدله ، إذًا لن يضيعنا الله .. ويكون تلك الطاعة ، وهذا الظن الحسن بالله سببًا في تفجير العين المباركة ( زمزم ) ، وسببًا في إقبال الناس عليها . ورعايتهم لها ، وتشريف ابنها بعد ذلك بالنبوة ، وتشريفه أكثر وأكثر بأن أخرج من ذريته هادي البشرية ، ومعلم الإنسانية محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- وتفتح مكة ، ويتوقع المسلمون أيامًا حافلة بالربح والثراء الذي يأتي الحجيج الوافد من أنحاء الجزيرة العربية حيث كانت مواسم الحج أسواقًا للتجارة والمنافع ، ولكن هذا الحلم لا يلبث أن تبدده الآية الكريمة التي تحول بين المشركين وبين الحج : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ سورة التوبة ] .
والناظر في هذه الآية يرى أنها تقطع طريق الحج على المشركين قطعًا مؤكدًا ، بينما هي تعويض المسلمين عن حرمانهم الاستفادة من حج المشركين بصيغة أقل تأكيدًا ، وأضعف إلزامًا ، وأكثر إحساسًا بالعيلة والفقر .
ومع ذلك يستجيب المسلمون لأمر الله ويبيعون الربح الذي كان قاب قوسين بوعد من الله معلق بمشيئة ، والنتيجة أن الله سبحانه عوض المسلمين على طاعتهم خير العوض ففتحت لهم البلاد ، وحببت إليهم الأموال ، وأسلم المشركون وعادوا إلى المسجد الحرام آمنين تائبين ، وبذلك عاد الأمل ، وعادت أسواق التجارة ، وكان وعد الله مفعولاً .
3- ومنزل الآية الكريم : { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } .
فيقول المسلمون سمعنا وأطعنا ، وانتهينا يا رب ، ويسرع كل منهم إلى بيته ليخرج ما فيه من خمر ويهرقه على الأرض حتى إن رائحة الخمر كانت تشم بالمدينة على مدى بعيد ، وبكلمة ترك المسلمون عادات ألفوها ، وتوارثوها ، وأحبوها ، وكانت مناط فخرهم ، غير أن هذه الطاعة المخلصة قد أثمرت ثمرها الطيب إقبالاً على الله وصيانة للعقل والجسم والمال ، وبعدًا عن مواطن النزاع والخلاف وبغض المسلم للمسلم ، وكانت من دعامات المجتمع المسلم المتحاب المتآخي الذي أرضى الله وأرغم أنف الشيطان .
4- ويؤخذ ال