الخرافة والحقيقة
للأستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام
والتقويم بكلية طب جامعة الإسكندرية
شكراً لجريدة الأهرام لأنها كرست نفسها في الشهور الأخيرة لتوعية الجماهير ضد الخرافات التي أفسدت عليهم عقائدهم وشوهت مظاهرهم وجعلتهم ينتقلون بدينهم- وهو أنقى دين- من نطاق المعقول إلى عالم الجهل واللامعقول .
في صفحة الفكر الديني من العدد رقم 32487 ( السنة 101) الصادر يوم الجمعة 18 ذي القعدة 1395 الموافق 21 نوفمبر 1975 نشرت جريدة الأهرام مقالا للأستاذ خالد محمد خالد تكلم فيه عن قواعد ثلاث للتمييز بين الحقيقة والخرافة في الدين . وهي قواعد تتطلب منا وقفة تأمل طويلة قبل اقرارها .
القاعدة الأولى: بحث القضية كلها من خلال إيماننا بالغيب:
والمسلمون جميعا يؤمنون بالغيب لأنه من أساسيات الإيمان . وهذه حقيقة . ولكنهم يؤمنون أيضا أن الغيب لا يعلمه إلا الله . وهذه حقيقة ثانية . وبناء على ذلك فإذا ذكر الله شيئا من الغيب في كتابه العزيز أو على لسان رسوله الكريم كانت هذه حقيقة صدقناها وآمنا بها . ولكن إذا أخبرنا أي شخص آخر عن الغيب فهذه من باب الخرافة لا نصدقها . ( آل عمران 3 /179 وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) (الأنعام 6 /59 وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو )، ( النمل 27 /65 قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) . إذا فليس الغيب الذي يؤمن به المسلمون غيبا مطلقا يفتي فيه كل من هب ودب . وكل مدع بمعرفة الغيب بخلاف ما بين الله والرسول فإننا لا نصدقه لأن الغيب الذي يدعيه خرافة لا حقيقة .
القاعدة الثانية: التصوف الحق هو أعلى مراحل التدين الحق وهو جوهر الدين:
هذه القاعدة نفسها لا توجد في كتاب الله العزيز ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ولا أدري من أي مرجع من المراجع غير كتاب الله وسنة رسوله يمكننا الحصول على قواعدلدين الإسلام . ويوجد في نص هذه القاعدة خلط بين الحقيقة والخرافة. ويجب على المسلمين التفرقة بينهما قبل الأخذ بها . فالكاتب يسلم بأن التصوف نوعان أو أكثر . ومن هذه الأنواع يوجد نوع واحد فقط وهو ( التصوف الحق ) الذي يمكنه اعتباره من الإسلام . فإذا كان هذا ( التصوف الحق ) من الإسلام فلماذا نسميه ( تصوفا حقا ) ولا نسمية ( اسلاما ) كما سماه الله سبحانه وتعالى ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- . وهذا التصوف الحق لا يمكن أن يخرج عن احتمالين اثنين . فاما أنه لا يزيد ولا ينقص عن الإسلام في شيء فنحن في غنى عنه . ونكتفي بالإسلام ، وتكون بذلك كلمة ( التصوف الحق ) اسما على غير مسمى . أي أسما خرافيا . أو أنه فعلا يزيد أو ينقص عن الإسلام شيئا فهو عين الخرافة ونحن أيضا في غنى عنه . والنتيجة المنطقية لكل ذلك هي أن التصوف لا مكان له في ( الإسلام الحق ) .
القاعدة الثالثة: أولياء الله هم خيار خلقه كما وصفهم القرآن العظيم وكما حياهم الرسول الكريم وكراماتهم حقيقة واضحة كضوء النهار:
وهذه القاعدة الثالثة يوجد فيها أيضا خلط بين الحقيقة والخرافة .
فالجزء الأول من القاعدة يتطلب منا أن نفهم جيدا أن الذي يمكنه التمييز بين أولياء الله ومن هم دونهم إنما هو الله علام الغيوب . الذي يعلم السر وأخفى . والذي يعلم ما يعمل كل البشر ويعلم ما توسوس به أنفسهم . ويعلم نياتهم وأفكارهم كما يعلم ما يعلنون . ويعلم ظاهرهم وباطنهم . وكل ذلك سيتم عرضه على الله يوم الحساب ويحكم فيه هو وحده سبحانه وتعالى . ولكن الملاحظ أن بعض عامة الناس نصبوا أنفسهم حكاما على أعمال البشر وادعوا أنهم يمكنهم أن يعرفوا من هو ولي الله ومن ليس وليا لله. واخترعوا من عندهم مقاييس ومعايير مبنية كلها على الخرافة لا على علم من عندالله ولا على بينة من كتاب الله ولا سنة رسول الله .
أما الجزء الثاني من القاعدة فهو مبدأ خطير جدا يكاد يخالف ماقرره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز . وهو مبدأ ( أن كرامات الأولياء حقيقة واضحة كضوء النهار ) . وقد عدد بعد ذلك أنواعا من الكرامات كلها تبديل وتحويل لسنة الله. وقد سبق أن صدقنا مثل هذه المعجزات التي أجراها الله على أيدي الأنبياء والمرسلين لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ذكرها في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أو لأنها رويت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصحيح الثابت من سنته . أما الأقوال التي تشيع بين الناس عن أعمال خارقة يقوم بها بعض الناس . فهذه الأقوال خرافة من ناحيتين: أولاهما أنها كلها مخالفة للقاعدة التي وضعها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ( فاطر 35 /43 فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) . وثانيتهما أنها تنقل عن طرق خرافية . تصفها بطريقة خرافية . تصف الخبل أنه كرامة . وتجعل من الجنون عبقرية . ويا أسفاه . لقد رأينا أناس يضعون أرجلهم على سطح القمر ويسيرون عليه بالمركبات دون أن يدعوا أن هذه كرامة . وم