من مفردات القرآن
الحلال…. والحرام
بقلم: الدكتور محمد جميل غازي
الحلقة السادسة
القاعدة السابعة عشرة: قد لا تتضح للإنسان الحكمة التفصيلية لما حرم اللَّه وأحل، ولكن ليس معنى هذا أنه ليس هناك حكمة وراء الحلال والحرام ولكن معناه أن الإحاطة بأسرار التحليل والتحريم لله سبحانه.
وأحيانًا يذكر الشارع مع الحكم علته، كقوله تعالى في سبب الأمر باعتزال النساء في مدة المحيض: ( 2: 222 {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} )، وقوله في الخمر والميسر: ( 5: 91 {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ} ). وقوله صلى الله عليه وسلم في نبيذ التمر: ” ثمرة طيبة، وماء طهور”، وقوله في الاستئذان: ” إنما جعل الاستئذان من أجل البصر”، وقوله في تعليل نهيه عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها: ” إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم”، وقوله في النهي عن النجوى: ” لا يتناج اثنان وبينهما ثالث فإن ذلك يحزنه”.
وقد يصل الإنسان إلى بعض أسرار التشريع باجتهاده، فمثلاً، تحريم لحم الخنزير اكتشفوا- منذ قليل- أن في لحمه ودمه وأمعائه دودًا شديد الخطورة- الدودة الشريطية وبويضاتها المتكيسة- ويقول الآن قوم: إن وسائل الطهو الحديثة قد تقدمت، فلم تعد هذه الديدان وبويضاتها مصدر خطر لأن إبادتها مضمونة بالحرارة العالية التي توفرها وسائل الطهو الحديثة، وينسى هؤلاء الناس أن علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة ليكشف آفة واحدة، فمن ذا الذي يجزم بأن ليس هناك آفات أخرى في لحم الخنزير لم يكشف بعد عنها ( تأكيدًا لهذا القول نذكر قراءنا بما نشرته إحدى الجرائد اليومية في مصر، فقد نشرت جريدة الأخبار الصادرة يوم 26 مايو 1975 تحت عنوان: ( حالة مرضية غريبة في فنادق القاهرة- السياحة والصحة تكشفان أن لحم الخنزير هو السبب ) ما نصه:
حالة مرضية غريبة ظهرت في عدد من فنادق القاهرة على سياح أجانب أثارت قلق المسئولين في وزارتي الصحة والسياحة، بدأت في فندق منيل بالاس ثم هليتون. اهتم عادل علوبة رئيس مجلس إدارة ( تورهوتيل ) بالأمر، وطلب إجراء فحص شامل لهذه الحالة، ثم تبين أن منبعها هو ( لحم الخنزير ) الذي يقدم للسياح الغربيين، تشكلت لجنة لبحث أسباب إصابة السياح بهذا المرض من لحم الخنزير. وكانت حالة مشابهة قد ظهرت على نزيلة بفندق منيل بالاس منذ شهور، ولم يستطع الأطباء تشخيصها، وسافرت إلى لندن حيث شخصها الأطباء الانجليز بأنها مرض اسمه ( ترسكينيلا ) وأعطوا العذر للأطباء المصريين في عدم تشخيصها لأنها حالة جديدة )، وهكذا سائر الحرمات.
القاعدة الثامنة عشرة: الناس أمام قضايا الحلال والحرام سواء، وسند هذه القاعدة قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد لما جاءه يشفع في المخزومية التي سرقت: ” إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها”. وقد حدث في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ارتكبت سرقة حامت فيها شبهة حول يهودي ومسلم، واستطاع بعض أقرباء المسلم أن يلصقوا التهمة باليهودي اعتمادًا على بعض القرائن، حتى هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدافع عن المسلم اعتقادًا منه ببراءته، فنزل الوحي الإلهي يفضح الخونة، ويبرئ اليهودي، ويعاتب الرسول ويضع الحق في نصابه حيث يقول سبحانه وتعالى: ( 4: 105- 109 {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا. وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}؟ ).
فأين من روح الإنسان ومنهجه وطبيعته، ما يفعله اليهود ويدينون به من أن الحرام يتفاوت بتفاوت الجنس، ولذلك استحلوا لنفوسهم أمورًا كثيرة حرموها على الآخرين، لأنهم- بزعمهم- أبناء اللَّه وأحباؤه: ( 3: 75 {وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَ