من مفردات القرآن
الحلال…. والحرام
بقلم: الدكتور محمد جميل غازي
الحلقة الخامسة
القاعدة الثانية عشرة: إذا أجتمع في الشيء إثم ومنفعة، كان الحكم تابعًا للغالب فيهما، فإن زاد الإثم على المنفعة كان حرامًا. وإن زادت المنفعة على الإثم كان حلالاً، لقوله تعالى: ( 2: 219 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} ) فالأشياء والأعمال قد لا تكون شرًا خالصًا، فالخير يتلبس بالشر، والشر يتلبس بالخير في هذه الأرض، ولكن مدار الحل والحرمة هو غلبة الخير أو غلبة الشر، فإذا كان الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع فتلك علة تحريم ومنع، وإن لم يصرح في الآية بالتحريم والمنع.
وإذا اشتبه الأمر على الإنسان، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه” الحديث. رواه الشيخان عن النعمان بن بشير.
* * *
القاعدة الثالثة عشرة: إذا زال الموجِب زال الموجَب ( الموجب الأولى بكسر الجيم والثانية بفتحها )، وتتعدى هذه القاعدة إلى سائر النجاسات إذا استحالت، فقد أخبر اللَّه سبحانه وتعالى عن اللبن أنه يخرج من بين فرث ودم: ( 16: 66 {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} ). وقد أجمع فقهاء المسلمين على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست، وعلفت بالطاهرات، حل لبنها ولحمها، لاستحالة الخبث إلى طيب، وعكس هذا، أن الطيب إذا استحال خبيثًا صار نجسًا كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة، واللَّه تعالى يخرج الطيب من الخبيث، ويخرج الخبيث من الطيب، فلا عبرة بالأصل، ولكن العبرة بالشيء نفسه.
ويلحق بهذه القاعدة قاعدة أخرى هي: ( الحكم يدور مع علته وسببه وجودًا وعدمًا ) كالخمر علق بها التحريم لعلة الإسكار فإذا زال عنها الإسكار بأن صارت خلا، حلت.
* * *
القاعدة الرابعة عشرة: ” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” وهي نص حديث رواه أحمد والحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري وتتمته: ( إن الطاعة في المعروف ). يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ولاة الأمور: ” من أمركم منهم بمعصية اللَّه فلا سمع له ولا طاعة”. رواه الشيخان.
وقد أخرج الإمام أحمد بسنده، عن علي قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء، قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا حطبًا، ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها، قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من النار، فلا تعجلوا، حتى تلقوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم: ( لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدًا إنما الطاعة في المعروف ) وأخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش.
وقد قال أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه في خطبته الأولى لما ولي الخلافة:
( أطيعوني ما أطعت اللَّه ورسوله، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم ).
ويقول اللَّه تعالى: ( 4: 59 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي إلاَّمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ) فأمر اللَّه بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلامًا بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً، ولم يأمر بطاعة أولى الأمر استقلالاً، بل حذف الفعل، وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إيذانًا بأنهم يطاعون تبعًا لطاعة الرسول، ثم أمر- سبحانه- برد الأمور المتنازع فيها إلى اللَّه والرسول.
* * *
القاعدة الخامسة عشرة: ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً ) وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ” المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالاً، أو أحل حرامًا” رواه الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني.
وقد ندب اللَّه- سبحانه وتعالى- إلى الصلح في الدماء، وبين الزوجين عند التنازع في حقوقهما، يقول اللَّه تعالى: ( 49: 9 {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} ).
( 4: 128 {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا