الحكم بما أنزل الله ضرورة حياة
بقلم علي محمد قريبه
-3-
«معنى الاستخلاف»
بمناسبة الحديث عن الخلافة ينبغي أن نلقي الأضواء على المعاني المفهومة من كلمة الاستخلاف وهذا يتطلب أن نعرف معناها العام والخاص..
فالاستخلاف العام: هو استخلاف الله تعالى للبشر في أرضه لاستعمارها واستخراج خيراتها. وصدق الله العظيم ((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)) [هود: 61] وقد بدأ هذا الاستخلاف بآدم أبي البشر، ومن بعده كل ذريته إلى أن تقوم الساعة وصدق الله العظيم ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)) [البقرة: 30].
وأما الاستخلاف الخاص، فهو الاستخلاف في الحكم وهو نوعان: – استخلاف الدول واستخلاف الأفراد. وكل من هذين النوعين إذا تم على أمر الله سبحانه يكون منة يمن بها على من يشاء من عباده، وصدق الله العظيم ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)) [القصص:5]، ((يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى)) [ص:26]. والله سبحانه وتعالى يستخلف الأمة طالما كانت أهلاً للاستخلاف، ويستخلف الأفراد ما داموا أهلاً لذلك بأن تتضح استقامتهم على أمر الله، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وأن يعبدوا الله وحده. وصدق الله العظيم ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)) [الأنبياء:73]، ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)) [النور:55]. وما استقام المستخلفون في الأرض على أمر الله فهم عند وعد الله لهم في تمكين ونصر وعزة، يأتيهم رزقهم رغداً من كل مكان.. حتى إذا ما جحدوا نعمة الله وافتتنوا بالقوة والسلطان والمال والعلم، أذهب دولتهم واستخلف غيرهم. وصدق الله العظيم ((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ*ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) [يونس: 13-14].
وهكذا نجد أن المستخلفين في الأرض سواء أكان استخلافهم عاماً أم خاصاً لهم مهمة واحدة هي طاعة الله تعالى، والائتمار بأمره، والانتهاء عما نهى عنه على ضوء بيان القرآن الكريم الذي هو دستور الإسلام الذي ارتضاه الله للناس ديناً وصدق الله العظيم ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)) [آل عمران: 19]، ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [آل عمران:85].
ومن الطبيعي أن يقوم هذا النظام والتمكين له والذود عنه، واستمرار الدعوة إليه على أيدي البشر الذين آمنوا بالإسلام، ويسعدهم أن يضحوا بكل إمكانياتهم ومجهوداتهم، وما تطيقه أنفسهم في سبيل هذه الغاية الكريمة دون انتظار خارقة من الخوارق أو معجزة من المعجزات، اللهم إلا العهود التي قطعها الله تعالى على نفسه بنصر من ينصر هذا الدين. وصدق الله العظيم ((إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) [محمد:7].
ولا خوف من النظام الإسلامي السليم أن تطغى فيه أهواء الحكام أو مصالحهم، لأن الحكم فيه يكون على هدى من الله، ونظر الحاكم فيه يكون بنور الله تعالى الذي يقول لنبيه الكريم ((إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)) [النساء:105] ولم يقل له: بما ترى. وتجلى هذا المعنى في قول الخليفة الأول أبي بكر رضى الله عنه في أول خطبة له بعد مبايعته (أيها الناس. إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإذا أحسنت فأعينوني وإن أنا زغت فقوموني) كما يتجلى في خطبة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعد مبايعته إذ يقول فيها (وإن أحق ما تعهد الراعي من رعيته تعهدهم بالذي لله عليهم في وظائف دينهم الذي هداهم له، وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به من طاعته، وأن ننهاكم عما نهاكم الله عنه من معصيته، وأن نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم ولا نبالي على من كان الحق).
ولا خوف أيضاً من النظام الإسلامي السليم على الأقليات