الحكم البالغة في خطب النبي صلى الله عليه وسلم
بقلم سماحة الشيخ : عبد الله بن حميد
الرئيس العام للإشراف الديني بالمملكة العربية السعودية
– 3 –
ويتضمن :
1- مراعاة حق النساء والوصية بهن .
2- التمسك بالكتاب والسنة .
3- القرآن منهج لمن تمسك به .
وقوله صلى الله عليه وسلم : وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله :
هذا نظير وضعه لدماء الجاهلية ، فأول دم وضعه من دمائهم دم ابن ربيعة بن الحارث فالآمر والناهي ينبغي أن يبدأ بنفسه وبأهله ليكون قدوة حسنة لغيره .
والربا إذا وضع يبقى رأس المال لمالكه كما في قوله تعالى : { وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } .
وقوله صلى الله عليه وسلم : فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله .
فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف ، كما قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، قال ابن عطية وإلى معنى الآية ينظر قول النبي صلى الله عليه وسلم فاستمتع بها وفيها عوج أي لا يكن منك سوء عشرة مع اعوجاجها فعنها تنشأ المخالفة وبها يقع الشقاق وهو سبب الخلع . اهـ .
إذ أن مداراة النساء والغض عما يحصل منهن من الاعوجاج والمخالفة سبب للاستمتاع بها وبقاء المعاشرة بينها : قال الترمذي في جامعه باب ما جاء في مداراة النساء وذكر حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المرأة كالضع إن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها على عوج ، فعلى الرجل معاشرتها بالمعروف والإحسان إليها والتسامح فيها يصدر منها من خطأ ومخالفة . وعليه أن يصونها ويحفظها من مخالطة الرجال الأجانب وأن لا يدعها تجوب الشوارع ومجتمعات الرجال بحيث تكون مطمعًا للفساق وموضعًا للسخرية بل عليها ملازمة بيتها وتدبير شئونها والقيام على أطفالها فهذا مما ينبغي للمرأة القيام به وعلى الرجل أمرها بذلك .
قوله ( : ” واستحللتم فروجهن بكلمة الله ” .
تنوعت عبارات العلماء في ذلك فقيل المراد بكلمة الله : هي كلمة الإخلاص : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، إذ أن المسلمة لا تباح لغير المسلم . وقيل إن كلمة الله هي قوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وقيل : هي قوله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } . وهذه الأقوال متلازمة . فالرجل إذا تزوج المرأة فعليه أن يمسكها بالمعروف إن رعيها والتأمت حاله معها . وإلا فيسرحها بإحسان عملاً بالآية الكريمة . ثم هي لا تحل له حتى يكون من أهل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله . فالمسلمة لا تباح لغير المسلم وقد نكحها امتثالاً لقول الله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } .
قوله ( : ” ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح ” .
أي لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبيًا أو امرأة أو أحدًا من محارم الزوجة . فالنهي يتناول جميع ذلك وهذا حكم المسألة عند الفقهاء إنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو ممن أذن له في الإذن في ذلك أو عرف رضاه بإطراد العرف بذلك ونحوه . ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن ، والله أعلم .
وقوله : ( واضربوهن ضربًا غير مبرح ) أي غير شاق ولا مؤثر وفيه دليل على جواز ضرب الرجل امرأته للتأديب والمصلحة .
قوله ( : ” ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ” .
فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها بالمعروف ، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ومثله إعداد مسكن لها ملائم لمثلها قوله ( : ” وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب اللَّه ” .
تركت فيكم أي فيما بينكم ، ما لن تضلوا بعده أي إن تمسكتم به واعتصمتم بما تضمنه من الأوامر والنواهي واعتقدتم ما تضمنه من العقائد الحقة إذ هو كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه : ومن أعظم ما أنعم الله به على المسلمين اعتصامهم بالكتاب والسنة فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان إنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده فقد ثبت بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم فيه نبأ من قبلهم وخبر ما بعدهم ، وحكم ما بينهم ،هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين