الجـــــــزاء
للسيدة الفاضلة نعمة صدقي
حرم الدكتور محمد رضا رحمه اللَّه
ثم قال تعالى : { إِلاَ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } أي أصبح المجرم الفاجر مؤمنًا تقيًا يسارع في الخيرات ، فبدل الله تعالى سيئاته حسنات ، ومن أعجب العجب أن بعض الناس يظن أن الله تعالى سيبدل السيئات حسنات لمن اقترف الكبائر ثم تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا ، أي إن من زادت سيئاته زادت حسناته ، ومن أصر على اقتراف الآثام علت درجاته ، فهل من المعقول أن يكون المصر على السيئات حتى تراكمت وتكدست أكثر حسنات ممن تاب من قريب وأصلح .
إن هذا الاعتقاد يحض على اقتراف الآثام ، ويغري بالإصرار على التمادي في الحرام ، لتزيد السيئات فتنقلب بعد التوبة إلى حسنات ، فيا له من ضلال يدفع إلى الإضلال ، ويا له من غباء ينسب إلى الرحمن الرحيم ما يليق به سبحانه وتعالى ما يصفون .
وفي قوله : { إِلاَ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا } ، تأكيد أن من اجترأ وأصر على الكبائر لم يكن مؤمنًا حال ارتكابه للخطيئة حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن . ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن )) . وقول اللَّه سبحانه : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } .
تأمل أيها القارئ شروط الله تعالى لمغفرة الذنوب ، إنها شروط أربعة يشترطها الله تعالى لتحقيق المغفرة ، فهو غفار لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا ثم اهتدى بعد ذلك ، أي ظل يسعى للهدى ويتحرى ما يرضى اللَّه بعد ما تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا .
وقال تعالى : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
إن هذا الإنسان الذي تراوح بين الحسنات والسيئات ، اعترف بذنبه ، أي شعر بالندم على ما فرط في جنب الله ، فالاعتراف اعتذار وإقرار بالذنب ، والمؤمن التقي الذي اعترف نادمًا على ما اقترف ، عسى الله أن يتوب عليه فيكفر عن سيئاته كما وعد سبحانه المتقين في قوله : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } ، وفي قوله : { ومن يؤمن باللَّه ويعمل صالحًا يكفر عنه سيئاته } ، نفهم من هذه الآيات الكريمة أن التقي الذي يعمل الصالحات ولكنه يقترف بعض السيئات سعاة ضعف أو غضب ، ثم يندم ويعترف بذنبه ، ويتوب من قريب إلى ربه ، يكفر الله تعالى عنه سيئاته ويعظم له أجرًا .
قال الشيخ رشيد رضا : كل ذنب يرتكب لعارض يعرض على النفس من استشاطة غضب أو غلبة جبن أو ثورة شهوة ، وصاحبه متمكن من الدين يخاف الله ، فهو من السيئات التي يكفرها الله تعالى ، إذا كان لولا ذلك العارض القاهر للنفس لم يكن ليجترحه تهاونًا الدين ، وكان بعد اجتراحه إياه حال كونه مغلوبًا على أمره يندم ويتألم ويتوب إلى اللَّه عز وجل ويعزم على عدم العودة على اقتراف مثله ، فهو بعدم إصراره وباستقرار هيبة الله وخوفه في نفسه ، يكون أهلاً لأن يتوب الله عليه ويكفر عنه سيئاته ، وكل ذنب يرتكبه الإنسان مع التهاون بالأمر وعدم المبالاة ينظر اللَّه إليه ورؤيته إياه حيث نهاه ، فهو مهما كان صغيرًا ، أي في صورته أو ضرره ، يعد كبيرة ، أي من حيث هو استهانة بالدين وداع إلى الإصرار والانهماك والاستهتار ، قال ابن عباس : لا صغير مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار – وهذا حديث رواه ابن عباس مرفوعًا وسنده ضعيف – أي مع التوبة والندم يغفر الله تعالى أي ذنب ، وأكبر الكبائر في كل ذنب الإصرار ، وهو عدم المبالاة بالنهي والأمر واحترام التكليف .
وما أجمل ما قال علي رضي اللَّه عنه : لا تنظر إلا صغر الخطيئة ، بل انظر إلى من عصيت ؛ قال : إذا استعظمت الذنب فقد عظمت حق الله ، وإذا استصغرته فقد صغرت حق الله ، وما من ذنب استعظمته إلا صغر عند الله ؛ وما من ذنب استصغرته إلا عظم عند الله .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه ، والمنافق يرى ذنبه كالذباب وقع على وجهه فأطاره )) .
وقال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ .أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ