التفسير
2- سورة البقرة
عرض التفسير
– 13-
للأستاذ عنتر أحمد حشاد
الموجه العام بوزارة التعليم والمعار
بكليتي التربية للمعلمين والمعلمات بالدوحة- قطر
د- التفسير
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
{الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
كلمة عامة في الربع الأول من سورة البقرة:
عدد آيات هذا الربع من سورة البقرة خمس وعشرون آية الأولى منها هي آية {الم}. والآيات التسع عشر من 2- إلى 20 في بيان موقف الناس من القرآن الكريم والاهتداء به، وتقسيمهم إلى ثلاث فرق: الفريق الأول، وهو فريق المتقين، يحدثنا هذا الربع عن صفاتهم وجزائهم في آيات أربع 2، 3، 4، 5 وفريق الكافرين المعاندين يذكر صفاتهم وجزاءهم في آيتين اثنتين 6، 7، وفريق المنافقين المذبذبين بين المؤمنين والكافرين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، يطيل في شأنهم، وبيان حقيقتهم، وجهلهم، ومنشأ نفاقهم، وغرورهم، وتلونهم وجبنهم. وجزائهم في ثلاث عشرة آية من الآية الثامنة إلى الآية العشرين ( 8- 20 ).
وأول ما توحي به هذه النظرة العامة في آيات الفرق الثلاث أن اللَّه سبحانه أسهب ( أطال الحديث عن المنافقين ) في شأن فريق المنافقين، وضرب لهم الأمثال، وصورهم أشنع تصوير ينفر منهم النفوس، لأن النفاق شر ما تحارب به أية دعوة إلى الحق، فالكافر الجاحد عدو مصارح بالعداء يأخذ المؤمنون حذرهم منه، ويتقون شره بمحاربته والوقوف في وجهه، وأقواله وأفعاله بشأن الإيمان والمؤمنين لا يسمع لها ولا تحقق غرضها، لأنه متهم فيها والناس يعرفون أنه عدو. أما المنافق فإنه يظهر بلسانه ما ليس في قلبه، يظهر الإيمان ويلتقي بالمؤمنين، ويبطن الكفر ويلتقي بالشياطين {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} [البقرة: 14]، {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167]، {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ} [التوبة: 56]، وبهذا النفاق يبلغ المنافق من الكيد للإيمان والمؤمنين ما لا يبلغه الكافر المصارح بالكفر. فمن أجل هذا أسهب اللَّه في المنافقين: في صفاتهم وجزائهم: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16]، ثم زادهم توضيحًا فضرب لحيرتهم مثلين: مثل من أضاءت حوله النار ثم انطفأت عليه، وتركته في ظلمة لا يهتدي فيها إلى صواب، ومثل من أخذته السماء بمطرها وظلمتها ورعدها وبرقها، فأخذ يتحين الخلاص مضطربًا في شأنه خائفًا من الهلاك، ولو شاء اللَّه لذهب بسمعه وبصره، إن اللَّه على كل شيء قدير.
فصل كل ذلك في ثلاث عشرة آية بعد أن أجمل شأن الكافرين في آيتين اثنتين.
وهذه الفرق الثلاث التي فصل اللَّه أوصاف كل فريق منها وجزاءه في الربع الأول من سورة البقرة- هي الفرق الثلاث التي ذكرها اللَّه إجمالاً في سورة الفاتحة في قوله عز شأنه: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7].
فالذين أنعم اللَّه عليهم ( كما وصفوا في سورة الفاتحة ) وهم الفريق الأول فريق المتقين ( كما وصفوا في سورة البقرة ) الذين هداهم القرآن إلى الصراط المستقيم، {أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، والمغضوب عليهم هم الفريق الثاني فريق الكافرين الذين ختم اللَّه على قلوبهم وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، ولا أدل من هذا على غضب اللَّه وسخطه. والضالون هم الفريق الثالث: فريق المنافقين الحائرين الذين لا هم مؤمنون ولا هم كافرون، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. وبهذا تكون سورة البقرة قد فصلت في أولها صفات وجزاء الفرق الثلاث التي أجملتها سورة الفاتحة في آخرها ( راجع في ذلك ما جاء في تفسير سورة الفاتحة ص 20 من العدد 9 المجلد 2 من مجلة التوحيد في الحديث عن الصلة والارتباط بين سورتي الفاتحة والبقرة ).
فإذا انتهى السياق من عرض هذه الفرق الثلاث دعا الناس.. الناس جميعًا- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}- إلى أن يكونوا من الفريق الأول: فريق المتقين المهتدين، فيطلب منهم عبادة ربهم وتوحيده، وعدم اتخاذ الأنداد له، الذين يحبون من جنس حبه، ويذكرون معه في مقامات ذكره، ويشركون معه في مخ العبادة- الدعاء-