التعليم والتبرج
بقلم: الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
مما هو مجمع عليه أساسًا في الفطر الإنسانية وبين عقلاء بني آدم أن العلم وسيلة تربية ووسيلة أخلاق وتهذيب وتدين، وعلى هذا الأساس جاء الإسلام، فمع شيوع العلم والتعليم بين أبناء الأمة الإسلامية ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، جاء أمر الله سبحانه وتعالى بالخلق والتخلق، فنجد أول ما بدأ به القرآن الكريم أن خاطب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخاطب أمته بقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
فهذا أول شيء نزل من القرآن الكريم إلى الأمة المسلمة، دعوة إلى العلم والتعلم، وأن يكون العلم والتعلم باسم الله، وعلى طريق الله والإيمان فلا علم دون دين، ولا علم دون خلق، والعلم دون هذين شر من الجهل، وعلى هذا الأساس جاء أمر الله سبحانه وتعالى لنساء النبي ونساء المؤمنين بالحجاب وعدم التبرج، وأن يكون عصر الإسلام والعلم غير عصر الجاهلية، وأن تكون المسلمة التي آمنت بالله ورسوله وتعلمت وتنورت وخرجت من الظلمات إلى النور، غيرها في عصر الجاهلية، وغير نساء الكافرين والكفر، فيقول تعالى موجهًا الخطاب لنساء النبي ونساء المسلمين: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، والإشارة في قوله تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} أي نساء الجاهلية، والنساء الكافرات.
ثم تأتي الآية بعد ذلك مبينة العامل الذي يجب أن يخضع المرأة للحجاب والتصون، فتقول: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}، فمقتضى العلم والتعلم، وخاصة إذا كان التعلم يجمع بين علم الدين والدنيا، أن تكون المتلقية لهذا العلم هي من أكمل خلق الله خلقًا ومظهرًا، وأن تظهر في ملابسها وفي زيها بمظهر المؤمنة العاقلة الحكيمة، قد لاح عليها الكمال والرزانة والعقل، بما تلبس من زي يرد عنها عيون البغاة، ونظرات الفساق وضعفاء الإيمان، ذلك الزي الذي لا يظهر منها إلا وجهها وكفيها، أو ما هو أقل من ذلك.
فقد تعارفت النفوس المؤمنة، والفطر السليمة، أن كمال المرأة في عدم ظهور شيء من جسمها ولا شعرها أو ملابسها مما هو مثار فتنة أو إثارة نحوها.
المرأة الكاملة هي التي إذا ظهرت للناس ظهرت لهم كإنسان يعينهم على البر والتقوى، ويحفظ عليهم حياءهم وأخلاقهم ورزانتهم وجديتهم في الحياة، لا تلك التي تظهر لهم كشيطان قد حسرت شعرها، وأظهرته في خصلاته، أو شعيراته على هذا الشكل أو ذلك، وأصبح هذا الذي كان يجب أن يخفى لأنه مما يستقبح كشفه- أصبح غرضًا للناظرين وأصبح ابتذالاً، وسفورًا يجعل العاقل يعف عن النظر إليها ويشمئز من هذه البذاءة المتوقحة التي فرضت نفسها على الناس.
وقس على ذلك أجزاء جسمها التي أبرزتها مع شعرها وجعلتها قذى في عيون الناس.
فمال الناس وما يستقبح كشفه، وما لهم ما خلق للستر والصيانة ومداراته عن عيون الناس.
إن هذا تهجم ذميم على العرف وعلى الطباع وعلى التقاليد السليمة.
فالأصل في الإنسان الستر والتحشم لا العرى والبذاءة.
وأولى الناس أن يعرفن ذلك، هن المتعلمات والمثقفات اللاتي فرض فيهن، أن يكن قد ارتقين مدارك وأفهامًا، وأصبحن أكثر إدراكًا لما يليق وما لا يليق.
ولعله من الجوانب التي حجبت المرأة المسلمة المتعلمة في زمننا هذا على الطريقة العصرية، هو ذلك الجو التعليمي الذي أحطن به، فللأسف نجد القائمين على العلم والتعليم، يجعلون من مقتضيات التعليم للفتاة أن تخرج إلى المدرسة أو الجامعة سافرة غير متحشمة، وكانت غصة في حلوقهم أن يدعو أحد إلى أن تلبس الفتاة في المدرسة أو الجامعة زي الحجاب الإسلامي، وكثيرًا- قبل أن يأتي أمر وزارة التربية والتعليم بلبس البدلة التي تلبسها الآن- ما اعترضت ناظرات المدارس على مجئ فتاة متحشمة إلى المدرسة بغطاء رأس أو بارتداء بنطلون، وللأسف أيضا وجدت من بعض رجال التعليم وبعض علماء الدين المسلمين في الوقت ذاته من يستغرب ذهاب فتاة إلى المدرسة متلفعة بخمارها، ويقول: ( كيف يفرض على طالبة في المدارس أن تتلفع بالخمار أوبالطرحة، وكيف يستسيغ الناس منظرها كطالبة ).
كأن التعليم في عقل هذا الرجل وفي عرفه وعرف غيره ممن يقومون على أمر التعليم، خلق مواكبًا للرذيلة، وللتبرج والسفور، وال