البرامج الدينية كيف تكون
بقلم/ الدكتور عباس محجوب
انتشرت وسائل الإعلام وبخاصة التليفزيون بصورة جعلت هذا الجهاز ينافس دور الأبوين ووسائل المجتمع الأخرى في التربية وذلك لما لهذا الجهاز القوي من إمكانات هائلة وقدرات متعددة ومؤثرات متنوعة وأساليب ساحرة جاذبة وموجهة، الأمر الذي جعل الجهاز يتحكم في أفكار الناس ويحدد اتجاهاتهم ويوجه ميولهم وعواطفهم لأنه كما ذكرنا أقوى أدوات التأثير والتعليم والتوجيه والتثقيف إن وجه لذلك كما أنه أخطر أسلحة الفساد والتدمير والتضليل إن أُريد منه ذلك أيضاً.
أقول هذا لأنني شاهدت وسمعت برنامجاً تلفزيونياً في السودان يسمى ((مع أهل الله)) ولا يزال هذا البرنامج الذي شاهدت بعض حلقاته مستمراً، وهو يتكون من شيخين متناظرين ومقدم البرنامج يقوم بمهمة توزيع الفرص وقراءة ما يُطلب منه قراءته من كتب، وتدور حلقات البرنامج حول موضوع كرامات الأولياء حيث يرى أحد المتناظرين: أن الأولياء والأنبياء يعلمون الغيب ويكشفون الحجب وتسقط دونهم الحواجز والمسافات مما جعل بإمكان الولي أن يرى ((أمريكا)) وهو جالس في السودان، وأن يسمع مالا يسمعه الناس وأن يفعل أشياء تميزه عن عباد الله الآخرين. أما المتناظر الثاني فنفى هذه الخصائص عن الأنبياء والأولياء، ويرى أن العقل لا يقبل هذا الكلام والدين لا يأتي بما يتنافى مع العقل وأن الولاية لا تتعدى حدود التقوى كما أشار القرآن الكريم لذلك، كما دار النقاش في هذه الحلقات حول ما إذا كان ((الخضر)) نبياً أو ولياً من أولياء الله، فالبعض: يرى (( الخضر)) نبياً أو ولياً من الأولياء اختصه الله بكرامات الأولياء وخصائصهم، بينما يرى البعض الآخر قول من قالوا إنه نبي من الأنبياء، وأوضح دلائل نبوته أن الله آتاه علماً علمه لموسى، وقد أخذ كل من كتب التفسير ما يؤيد وجهة نظره، ولا زال النقاش بينهما حاداً مستمراً، يثير الجدل والكلام في أوساط الخاصة والعامة، ونلاحظ على هذا البرنامج ما يلي:
أولاً: إن الشيخين قد ذهبا إلى مهمة يسعى أعداء الإسلام الذين يختفون في أزياء المسلمين ويتسمون بأسمائهم – إلى تحقيقها وهي إحداث مزيد من الفرقة بين المسلمين، وإلهاء المسلمين عن واجباتهم الأساسية وقضاياهم المصيرية وشغلهم بأشياء لا تفيد الإسلام ولا المسلم المشاهد أو السامع في شيء. فماذا يستفيد المسلم من كرامات الأولياء وهو لم يرها، حتى إذا رآها ماذا تفيده إذا كانت الكرامة خاصة بصاحبها وماذا يستفيد المسلم من نقاش حاد في نبوة الخضر وعدمه؟ إن الهدف من وراء هذا هو تعميق مفاهيم العامة في الأولياء بقصد أو دون قصد، فالكثير منهم راسخ الاعتقاد في أن الولي يعلم الغيب ويكشف الحجب ويعين اللهفان ويغيث المستنجد به وبذلك يزداد أعداد الجهلاء البسطاء الذين يتعلقون بهم ويتمسحون بقبورهم ويقدمون النذور والقرابين في ظل أقبيتهم، ويحلفون بهم أكثر من حلفهم بالله.
ثانياً: هذا البرنامج ينبغي أن يعمل على إصلاح العقائد. فالدعاة المخلصون يعانون من فساد العقيدة عند أكثر الناس، والمظاهر الكثيرة المؤدية إلى الشرك ونقض الشهادة. فلا زال الكثير من العامة والمتعلمين يعتقدون في هؤلاء الأولياء من حيث النفع والضرر والإعطاء والمنع، يطلبون منهم ما لا يطلب إلا من الله عز وجل، ولا زال الناس يحلفون بالرسول والنبي والأولياء والسادة والمشعوذين ولا زال أبناء بعضهم يعيشون على نشر تلك الخرافات والأوهام مع بعد الكثير منهم عن الإسلام، ولا زلنا نحفظ من أناشيدهم وتعاليمهم مثل قولهم:
إذا كنت في هم وغم فنادني
إذا قلت يا هذا أتيت بسرعة
وقد أبدلت اسماً صريحاً في البيت ووضعت اسم الإشارة مكانه حتى لا يظن أنني أقصد طائفة معينة دون غيرها.
ثالثاً: إن البرنامج الديني ينبغي أن يبتعد عن تعميق الطائفية في النفوس، وعن إحياء الإحن والضغائن القديمة بين أنصار السنة وغيرهم، وقد علمت أن البعض من رأيه إيقاف هذا البرنامج لعلمه بآثاره وخلفياته ونتائجه ومن يؤججون النار من حوله، أما بالنسبة لأنصار السنة، فتاريخهم في السودان تاريخ مشرف وأثرهم واضح في محاربة الطائفية وأصحاب البدع والخرافات العالقة بالدين، وقد تحملوا في سبيل ذلك الكثير، وكثير من أصحاب العقائد السليمة يرجعون الفضل بعد الله تعالى إلى دعوة الإخوان وهم لا زالوا يقومون بواجب الدعوة وأعبائها رغم قلة عددهم وقصور إمكاناتهم، نقول ذلك إحقاقاً للحق مع أن المرء قد يختلف مع وجهة نظرهم في مسائل أهمها تركيز الجهد كله في ناحية واحدة وعدم التركيز على الجوانب الأخرى من الإسلام، وعدم الانتقال بأصحاب العقائد السليمة إلى مرحلة ما بعد العقيدة أو المرحلة المدنية، والانصراف بالناس إلى قضايا أهم وأجدى والناس في حاجة إلى معرفة حكم الإسلام فيها.
رابعاً: البرنامج الديني ينبغي أن يتسم بالعمق والتباعد عمن يسمونهم بأولياء الله وأهله الذين تراهم يرقصون ويضربون