الإسلام وحرية الكلمة
دروس في محو الأمية الصحفية!!!
الكلمة في الإسلام ليست شيئًا هينًا ولذلك كان أول اتصال السماء بالأرض (اقرأ)، والكلمة أداتها القلم فكان أول الوحي تحرير للكلمة والقلم (الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) بل وبلغ من شرف الكلمة في الإسلام أن أقسم الله تعالى بالكلمة وأداتها (ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون) بل وأنزل الله تعالى سورة بأكملها سميت سورة القلم، والله تعالى لا يقسم بشيء حقير تافه.
والكلمة لا يكون لها شرف إلا إذا انطلقت خالصة لله تعالى لا تبغي إلا الصلاح في الأرض ولذلك قال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فهي قراءة – باسم الله تعالى وقال: (الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم) والله تعالى لا يعلم الفساد والمداهنة والنفاق والمتاجرة بالكلمة.
وبلغ احترام الإسلام لحرية الكلمة أن أعطى المرأة حق الحوار والمجادلة مع الحاكم للوصول إلى الحق (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) بل وجعل الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتراض ومعارضة لما هو قائم والأمر بالمعروف تذكرة بما هو ضائع وجاء ذلك في صورة (أمر) بل قام الإسلام على الشورى وجاء ذلك في صوره أمر موجه إلى إمام الأمة (وشاورهم في الأمر) والشورى تعني أن يقول كل ما عنده في حرية تامة للوصول إلى أسلم الآراء والأفكار صيانة للأمة.
أما إذا انطلقت الآراء إرضاء لاتجاه معروف سلفًا لدى الحاكم فهذه ليست حرية بل هي أشبه ما تكون بالدابة تربط إلى عمود ساقية معصوبة العينين ثم يترك لها حرية المسير!!
بل اعتبر الإسلام التلون إرضاء لنزعة الحاكم وما يراه اعتبر هذا لونًا من الفرعونية. ولهذا جاء على لسان فرعون: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) يريد أن يجعل من العباد نسخًا متكررة لأفكاره وآرائه أو ما يسمى سلفية العصر (الالتزام بالأيديولوجيات) وهو يظن أنه يريد بهم رشادًا!!
واعتبر الإسلام رقابة الأفكار لونًا من الفرعونية أيضًا، ولهذا اعترض فرعون على قوم اعتنقوا أفكارًا جديدة وصدقوا بمعتقدات قبل الحصول على إذن وتصريح منه (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم).
ووضع الإسلام المبدأ الأول للحرية (لا إكراه في الدين) فلا إكراه على الدخول في النظريات والأفكار (والأيدلوجيات) وسقطوا فيما يمكن أن يسمى (مأساة الصحافة) ولا يغرنك الأقلام التي انطلقت ستتحدث عن حرية الفكر. فهذا الانطلاق لم يكن إلا لمجرد إطفاء إشارة المرور الحمراء التي يعقبها اللون الأصفر فالأخضر!!
وقد كانت هذه الأقلام يومًا تُباع وتشترى.. وتعرض في صالات المزادات ولها (بورصة) ولكل يوم سعر في هبوط وصعود!! وهذه الأقلام لم تكن تجيد إلا المحاكاة والتقليد وهي أشبه ما تكون بقرد ربط بسلسلة في يد سيده الذي ينقر له حركات (الإيقاع) والقرد لا يجيد إلا التقليد (عجين الفلاحة) (ونوم العجوزة) وسلام لسيدك يا ولد!!
وتلطخت الأقلام في الوحل ويكفي أصحابها المكاتب المكيفة والمرتبات والبدلات والسفريات المصطنعة إلى أوربا وغيرها.. وكل ذلك باسم الشعب البائس المسكين وعلى حساب الأقوات الضرورية للملايين!! وذلك غير تجارة الأحاديث الصحفية مع الساقطات والعاهرات باسم الفن الرفيع!!
وباسم الفكر والكلمة أو قُلْ انعدام الفكر والكلمة.. تكونت أصنام صغيرة لا تجيد إلا التسبيح باسم الأصنام الكبيرة لعلها تجد شيئًا من فتات ما يقدم لها من قرابين!!
ولا نذهب بعيدًا فالأمثلة ما زالت الآن مطبوعة ومحفوظة في دور الصحف للذكرى والتاريخ!! ذكري للنفاق والتلون وتاريخ (بورصة) الأقلام وسوق الكلمات ومناقصات ومزايدات الأفكار!!
كانت السجون والمعتقلات تفتح أبوابها كأسماك القرش والصحافة تصفق وتمجد كأنه قص شريط عن مشروع (اعتقالي) كبير!! وتحولت مصر إلى سجن كبير والصحف مشغولة بأسعار الخضار والتسعيرة الجديدة للبطيخ (الشليان)!! والأقلام تبكي بدمع أسود من المداد.. تبكي على الأيدي الأمينة التي فقدتها وأصبحت الأهمية الاقتصادية للصحافة وزنها بالكيلو في آخر الشهر لإعادة توازن ميزانية الأسرة!!
ودخلت كلمة الصراحة في العرض والطلب فتكلمت الصحف (بصراحة) كيف أن حرب اليمن هي التي نقلته من قرون التخلف إلى القرن العشرين وإذا بنفس الصحيفة ونفس الكلمات ونفس (الصراحة) تحدثنا كيف أننا نهونها في حرب اليمن وفقدنا آلاف الشباب على جبال اليمن دون هدف أو غاية!!
وكان قفل الخليج وإبعاد قوات الأمم المتحدة يومًا (بصراحة) بطولة ويومًا آخر (وبصراحة) أصبح عملاً تهوريًّا!! والأقلام التي اكتشفت قضية الأسلحة الفاسدة تحولت إلى اكتشاف الوسادة الخالية!! وأن في بيتنا رجل!!! واكتشفت أن أبي فوق الشجرة!!!
وجاءت كارثة 67 وكان لابد أن تجيء وتحول العمالية إلى أقزام وأجسام هلامية وبالونات هواء والبلد إذا لم يجد من يصحح له الأوضاع في الداخل جاءه من يكشفه من الخارج والذي