الإسلام مشرق هداية
ومبعث حضارة
بقلم فضيلة الأستاذ الشيخ سيد سابق
الأستاذ بكلية الشريعة بمكة المكرمة
1- إن العالم الإنساني- بالرغم مما أحرزه من رقي وتقدم وما بلغه من حضارة مادية زاخرة بألوان المتع وضروب اللذائذ والشهوات- مضطرب الفكر فاسد الخلق بعيد عن النظام الذي يحمي كيانه وعن المبادئ الإنسانية التي تحفظ عليه إنسانيته .
ففيه جهل بالله وجهل بالكون وجهل بالإنسان وجهل برسالة السماء إلى الأرض وفيه الأثرة والأنانية والاسترسال في المطامع والشهوات .
وفيه سيطرة الهوى وغلبة الغرائز والنزوات .
وفيه الاباحية التي تتمثل في الخمر والمخدارت والزنا والعهر والربا والكسب الحرام .
وفيه الاستهتار بكل القيم الصالحة والمثل الرفيعة .
ولم يقتصر الفساد على الناحية الروحية والخلقية فحسب بل تعداه إلى القانون والتشريع فالجرائم والمآثم ترتكب في ظل القانون وباسمه وتحت سمعه وبصره حتى أصبحت الجريمة ظاهرة اجتماعية لا علاج لها ولا دواء . أما المبادئ الإنسانية فهي كلمات تجري على الألسن . يتحدث بها الساسة الكبار في الخطب والمجتمعات العامة والخاصة وتنشر في الصحف وتكتب في الدساتير ولكنها لا تطبق التطبيق الصحيح ولا تمارس الممارسة الحقيقية .
2- ولا منقذ للبشر من هذا الهلاك الذي يتخبط فيه إلا الإسلام . فهو الكفيل بالقضاء على الإضطراب في العقيدة والفوضى في الخلق والقصور في التشريع وهو القادر على أن يزود الناس بالمبادئ الإنسانية التي تسعدهم وتظللهم بظلال الأمن والسلام.
ففيه وحده دون غيره المعارف الروحية والفضائل الخلقية والقوانين التشريعية والمبادئ الإنسانية .
3- والمعارف الروحية في الإسلام سهلة بسيطة فالله خالق كل شيء ورازق كل حي ومدبر كل أمر وهو سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العليا وهو قريب من الإنسان يجيبه إذادعاه ويلبى رجاءه إذارجاه أقرب إليه من حبل الوريد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
والإنسان أكرم مخلوقات الله خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ووظيفته تنحصر في إقامة تكاليف الخلافة وهي إقامة الحق وأداء الواجب نحو الله والواجب نحو النفس ونحو الأسرة ونحو المجتمع الذي يعيش فيه .
وهو مسئول أمام الله عن هذه الواجبات يوم الدين .
والله سبحانه وتعالى أرسل رسلا مبشرين ومنذرين هداة إلى الخير ودعاة إلى الإيمان والعمل الصالح لتصلح الحياة وليعد الإنسان ليكون أهلا لجوار ذي الجلال في حياة أسمى من هذه الحياة .
ومحمد رسول الله ونبيه ومصطفاه ختمت به النبوة وكمل به الدين أنزل الله عليه القرآن وهو خير الكتب وأعطاه شريعة هي أسمى الشرائع وأرقى النظم .
4- والإسلام يهتم بالأخلاق والفضائل ويعمل على ارسائها في كل جانب من جوانب الحياة .
ففي الجانب السياسي يوجب الإسلام الشورى منعا للتحكم والتسلط والدكتاتورية وفي الجانب الاقتصادي يوجب العدل الاجتماعي ليقضي على الفقر والحرمان وليحقق التوازن وتقريب الفوارق بين الطبقات وفي الجانب الاجتماعي يعلن المساواة بين البشر ليقضي على التمييز العنصري والتفاوت بسبب الجاه والمال .
5- والإسلام شرع للناس الأحكام التي تنظم علاقتهم بالله وعلاقة بعضهم ببعض .
من هذه الأحكام الشرائع الدينية التي تنظم العلاقة بين الله والإنسان تحقيقا لمعنى العبودية ، وهي تمثل حقوق الله على عباده ولها حكم وأسرار ومقاصد من سكينة النفس وطهارة القلب وراحة البال . وهى : (الصلاة والزكاة والصيام والحج). ومنها الأحكام التى تستهدف دعم الأسرة وتقوية الصلات بين أفراد والتى تدعو إلى الزواج وترغب فيه وتيسر أسبابه وتعين لكل عضو من أعضاء الاسرة حقوقه وواجباته ، وتجعل دستور الحياة الزوجية السكن والمودة والرحمة .
ومنها تشريع المعاملات المالية التى تقوم على أسس من الأمر بالوفاء بالعقود والنهى عن اخذ الربا وأكل أموال الناس بالباطل والإرشاد إلى كفاية الدين والاستشهاد عليه .
ومنها التشريع الخاص بالجرائم كجريمة الزنا والقذف والسرقة ، والخمر والحرابة والاعتداء في النفس والأطراف .
وقد قرر الإسلام لها عقوبات من أجل المحافظة على الحياة والأعراض والأموال والحريات والحقوق وتنفيذها يضمن استقرار الأوضاع وتوطيد الأمن وانصراف الأفراد إلى البناء والتعمير وهي قصاص وحدودوتعازير .
ومنها التشريع المتعلق بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم من اختيار الحاكم عن طريق الانتخاب والتعاون معه على أساس أن يقيم العدل ويحكم بما أنزل الله ويستشير في القضايا الهامة . ويرعى المصالح العامة ومصالح الأفراد الخاصة وعلى الشعب أن يطيع وينصح ويتعاون معه على إنهاض الأمة وإعلاء كلمتها والحفاظ على حريتها واستقلالها وتبليغ رسالتها . والإسلام دين واقعي فهو يرى خطورة الأعداء ومدى خصومتهم له وحرصهم على إطفاء أنواره وحجب ضيائه .
ومن أجل هذا فإنه يوجب معرفة قوة ال