الإسلام ليس في حاجة إلى تصريحات للاستهلاك
بقلم: محمد عبد اللَّه السمان
إن الذين يتولون المناصب الكبرى ما زالوا يتوهمون أن الشعب المصري الطيب لديه دائمًا قابلية لاستقبال التصريحات منهم، والتي لا تعني أكثر من الاستهلاك، ولذلك يقل هؤلاء المسئولون الكبار العمل، ويكثرون من التصريحات الاستهلاكية ومن الإعلان عن التخطيط الموهوم، وقد شجعهم على ذلك أن الصحافة عندنا لا تعيش في فراغ فحسب- وإنما أيضًا تتقبل النشر بصدر رحب، ولا تملك المراجعة ولا المحاسبة ولا حتى التعليق أو التعقيب، بالإضافة إلى أن مندوبي الصحف لدى الوزارات والمصالح يحرصون دائمًا على علاقات الود مع المسئولين الكبار حتى لا يحرموا بعض المغانم سمينة كانت أم هزيلة.
وأقرب الأمثلة إلى أذهاننا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، هذا المجلس ظل طوال سني حياته الماضية اسمًا على غير مسمى، ولم يكن ليتوقع منه غير ذلك ما دام الأمين العام له كان ضابطًا صغيرًا برتبة ملازم، لا صلة له بالإسلام عقيدة وفكرًا من قريب أو بعيد، قبل أن يعمل تحت رئاسته لفيف من خيرة علماء الدين والباحثين الإسلاميين، كان من بينهم عمداء، وأساتذة لكليات جامعة الأزهر، ولست مبالغًا إذا قلت: إن بعضًا ممن وصلوا إلى منصب شيخ الأزهر، كان متعاونًا مع هذا المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، هذا المجلس الذي لم يثبت وجوده إلا في مجال الدعاية والإعلان، ثم سطوات أمينه العام على أموال المسلمين، وكأنها أموال يتامى سائبة بلا أوصياء عليهم، وبلا وجود لما يسمى بالمجلس الحسبي.
كنا نعتقد أن الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية نسيج وحده في عبقرية الدعاية والإعلان، إذ كثيرًا ما كنا نقرأ في الصحف أن رئيس الجمهورية أصدر قرارًا إلى المجلس بإرسال مكتبة إسلامية إلى دولة ما، ولا مانع أن يكون عدد الكتب خمسة آلاف أو خمسة ملايين، ولا مانع أيضًا من أن لا يرسل شيء على الإطلاق، فلا أحد يسأل، ولا أحد يراجع، ولا أحد مستعد لأن يتحقق في صحة الأخبار أو الإعلانات.
أجل: كنا نعتقد أو بمعنى أدق- نتوهم- أن مصر لم تنجب عبقريًّا في فن الدعاية والإعلان لمجرد الاستهلاك، سوى الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ولكن ظهر أن هناك منافسًا له في أحد الأعضاء البارزين أو المبرزين في المجلس، إنه الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف، فقد نشرت الأهرام في السابع عشر من فبراير الماضي إعلانًا في الصفحة الأولى تحت عنوان: الرئيس يستعرض خطة الدعوة الإسلامية، يقول: وصرح الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف في اجتماعه أمس بالسيد محافظ المنوفية والقيادات الشعبية والتنفيذية، بأن هذه الخطة سوف تعالج كل نواحي القصور، إذ أنه مدرج في الموازنة 200 ألف جنيه لترميم المساجد، وكان الوزير والمحافظ قد أديا صلاة الجمعة أمس بمسجد سيدي شبل بمدينة الشهداء، وقرر الوزير إنشاء دار للقرآن الكريم تلحق بالمسجد واعتماد سبعة آلاف جنيه لفرشه، كما قرر الوزير اعتماد خمسة وسبعين ألف جنيه لفتح فصول تقوية للشهادات العامة التي تشرف عليها وزارة الأوقاف.
حاولت أن أربط بين العنوان المثير وبقية الكلام ففشلت، فما من وزير ولى وزارة الأوقاف إلا جعل جُل تصريحاته ينصب على الدعوة الإسلامية، ثم يذهب دون أن تتقدم الدعوة خطوة واحدة إلى الأمام، وقد ملأ الوزير الأسبق الدنيا بتصريحاته عن الدعوة وذهب دون أن يفعل شيئًا، بل إن وزيرًا صرح ذات مرة باعتماد ثلاثة ملايين من الجنيهات في الميزانية للنهوض بالدعوة الإسلامية، وشيئًا من هذا لم يحدث، هذا الوزير كان يستعمل في تصريحاته نفس الأسلوب الذي يستعمله في أحاديثه الإذاعية، ولذلك لم يفعل شيئًا للدعوة الإسلامية، كان نشاطه منصبًا- فحسب- على أن تبرز صورته في الصحف وهو مع شيخ الأزهر الراحل في افتتاح أحد الموالد، أو في زيارة الأضرحة.
وأعود فأقول: هل ترميم المساجد أو إنشاء مكتب للتحفيظ، أو افتتاح فصول جديدة للتقوية للشهادات العامة، يدخل ضمن خطة الدعوة الإسلامية التي سوف تعرض على السيد الرئيس؟ إن رسالة الدعوة الإسلامية ليست العمل على بناء ضريح للسيد عمر مكرم، أو تجديد ضريح للشيخ العبيط، وإنما هي: كيف نبني مجتمعًا إسلاميًّا واعيًا، كيف نصحح مفاهيم العقيدة لدى المسلمين، كيف نواجه التيارات الفكرية المستوردة والمعادية للإسلام، كيف نبني الداعية المسلم على أسس تربوية سليمة، ونزوده بالفكر الإسلامي الأصيل، ونؤمنه لكلي يكون شجاعًا لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا أظن أن خطباء المساجد- إلا أقل القليل- قادرون على أن يسهموا في بناء المجتمع المسلم الواعي، وهم ما يزالون يتلقون نشرات وزارة الأوقاف التوجيهية في خطب الجمعة، فمنذ عام قامت إسرائيل بغارة إجرامية على جنوبي لبنان وقتلت المئات وشردت الآلاف من المسلمين، وصادف أني أديت صلاة الجمعة في مسجد الكخيا، ولم أعجب والخطيب بصوته الجهور