الإسلام دين الخلق
بقلم مصطفى برهام
لعل إحدى الغايات العظمى للإسلام هي إرساء دعائم الأخلاق الكريمة مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم [إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق]
والأخلاق الكريمة لا يسن بها قانون ولا يصدر بها فرمان ولا يرفع بها شعار وإنما هي مكابدة ومعاناة وأسوة وقدوة واستعلاء على أهواء النفس ورغباتها
ومن الواضح أن الإسلام لم يحد الحدود لمن يقصر في حق من حقوق الله عز وجل لأن علاقة الإنسان بربه علاقة خاصة كلف من خلالها بفروض فرضها الله سبحانه وتعالى عليه فينبغي ألا يقصر في صلاة أوزكاة أوصيام أوحج ولكن رغم ذلك فان الله تعالى وهو واسع الرحمة والمغفرة عندما يقصر عبد في أحد هذه الفروض لا يعجل عليه بعقوبة دنيوية يضعها في يد الحاكم ليطبقها عليه وإنما يتركه لعله يعود إليه نادما تائبا مؤديا لهذه الفروض
ولكن الذي يسوء خلقه في ناحية من نواحي المجتمع وإساءة الخلق ينعكس أثرها على حقوق الناس فإن الله يحد له الحدود التي يطبقها الحاكم عل كل من يتعداها فالقاتل يقتل لأن خلقه ساء فأزهق نفسا بغير حق والقتل مضيع للأمن في المجتمع والزاني المحصن يرجم حتى الموت لأنه اعتدى على عرض غيره وقد كفل الله له عرضا حلالا والزاني غير المحصن يجلد مائة جلدة والسارق تقطع يده لأنه اعتدى على مال غيره والقاذف يجلد ثمانين جلدة (القاذف هو الذي يتحدث بسوء في حق المحصنات المؤمنات الغافلات ويتهمهن بالفاحشة دون أن يأتي بأربعة شهود على صدقه) وذلك لأنه يشيع الفاحشة بلسانه في المجتمع المسلم وبعد أن يجلد لا تقبل له شهادة بعدها إلا إذا تاب توبة صادقة وهكذا يتضح من خلال ذلك أن هذه الحدود ما وضعت إلا لمن يسوء خلقه فيما يتعلق بحق من حقوق العباد أوحق من حقوق المجتمع
ولكي يضمن الإسلام أن يسود الخلق الكريم المجتمع الإسلامي فانه يحتم على أتباعه الإلتزام بمبدأ هام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن هذا المبدأ يمثل يقظة المجتمع وإيجابيته فهو مجتمع لا يرى خيرا إلا ويحض عليه ويتواصى به ويستزيد منه ولا يرى شرا أوفسادا إلا ضرب بعنف على أيدي مرتكبيه ولعل السبب الرئيسي الذي أدى بالأمة اليهودية إلى غضب الله وسخطه عليها هو إغفالها لهذا المبدأ وعندما غفلت عن تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قادها ذلك إلى الوقوع في كل ألوان الشر والفساد وسجل الله ذلك عليها في قوله تعالى في سورة المائدة (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[الآية 78،79]
وعلى هذا فان الأمة التي يبرد فيها الشعور فترى الشر ولا تحرك ساكنا لمنعه وترى الفضيلة تغتال وترى الرذيلة تتبجح وتستعلن وترى الفجور يشمل أبناءها ولا تحرك ساكنا لتصحيح هذا الفساد هي أمة بكل المعايير شبيهة بالأمة اليهودية والله لا يحابي أمة على حساب أمة أخرى ومن ثم فبالقياس هي أمة تستحق لعنة الله كما استحقتها الأمة اليهودية عندما فسدت أخلاقها
وهنا – يثور سؤال ما معنى الأخلاق ؟ لقد شاع في زماننا هذا أن آفة الأمة الإسلامية الكبرى هي سوء الخلق بعد أن نبذ كثيرون من أبناء هذه الأمة دينهم وراء ظهورهم ولا شك أن أبناء الأمة الإسلامية – صالحيهم وفاسديهم – متفقون على هذا
وفي تقديري أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد معالم الأخلاق الكريمة في حديث من أحاديثه الكريمة حيث يقول [لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره التقوى ها هنا (ويشير إلى قلبه ثلاث مرات) بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه]
هذا الحديث في تقديري يمثل دستورا خلقيا رفيعا لأنه لو طبق في أي مجتمع فلن يجد الفساد له مجالا في مثل هذا المجتمع
ينهي الحديث عن الحسد وهو الحقد لأن الحقد نار تضطرم في صدر الحاقد تجاه المنعم عليه ولا سبيل للتنفيس عن هذا الحقد إلا بسلوك فاسد شرير وبهذا يكون الحقد أصل كل جريمة وحسبنا أن نعرف أن الحقد كان الدافع الأول والسبب الرئيسي في وقوع أول جريمة على الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل
ثم ينهي عن المناجشة وهي إغلاء السعر على من يريد الشراء لسلعة من السلع حتى لا تتم الصفقة وانظر إلى تاجر يتفق على شراء صفقة بمبلغ معين ثم يأتي تاجر آخر فيزيد في الثمن حتى تضيع على التاجر الأول الصفقة ماذا يكون شعور من فشل في الحصول على الصفقة لابد أنه سيكره من تسبب في ذلك ويحقد عليه فتصل إلى التباغض وتصور مجتمعا تملأ الكراهية والبغضاء قلوب أبنائه ماذا يكون حاله انه بلا شك سيكون مجتمعا متفرقا تسيطر عليه الشرور والمفاسد وتؤدي به إلى التدابر