الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
للدكتور عبد الحميد أبو المكارم
الأستاذ بكلية البنات الإسلامية جامعة الأزهر
ما كادت شمس الإسلام تشرق على الجزيرة العربية نيرة زاهرة واضحة نظيفة حتى تعلقت بها القلوب التي طالما تطلعت إلى النور بعد الظلام وإلى الأمن بعد الاضطراب ، بل تعلقت به هذه القلوب تعلق الماء بالورد أو الورد بالورد .
فأنبتها نباتًا حسنًا وأصقلها وجعل منهم العظماء والدهماء والحكماء والدعاة للإسلام فتحولت هذه الأمة المتطاحنة المتضاربة إلى أمة رائدة وقائدة .
كما أضحى شبابها وشيوخها مصابيح للهدى ومفاتيح للخير يقودون الأمم من دياجير ظلامها وجاهليتها إلى أضواء حضارتها وسموها ورفعتها . تلك الحضارة التي نبذت كل الحضارت وانتظمت من حولها حبات قلوب الرجال فكانت نفوسهم واحدة وقلوبهم واحدة كما أشربوا من نبعها مكارم الأخلاق فاحتلت الفضيلة نفوسهم وطهرت من أرجاس الجاهلية وظلامها .
وزينت تلك الأخلاق الفاضلة صدورهم موضع الأوشحة والأوسمة .
فصاغوا من هذه المكارم سلاحًا يفل بحده الباتر كل سلاح ويفوت على أعدائه كل نجاح . جاهدوا أنفسهم ودربوها على هذه المعاني التي تعلموها من مدرسة القرآن الكريم على يد معلم الإنسانية والبشرية على السواء محمد ( .
فصاغت هذه التعاليم من قساة القلوب رحماء ، ومن قطاع للطرق حراسًا للفضيلة ومن مصاصي الدماء أمناء على الخلق ، ومن منكري الفضيلة دعاة لمكارم الأخلاق ، ومن هؤلاء الجاحدين المنكرين للحقوق رجالاً يقيمون العدل بالقسط ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
وهم في ذلك يعطون ولا يبخلون يقدمون كل ما يملكون من أجل حياة أرحب وسعادة أوسع توطيدًا للفضيلة وتركيزًا لمعانيها ونبذًا للرذيلة وطردًا لشرورها وآثامها إيمانًا منهم بأن هذا الدين أمنًا وسلامًا ورحمة واطمئنانًا .
وكانوا في هذا ينبوعًا لا ينضب متدفقًا لا يغيض نقيًا لا يترنق ، خلوا من كل ما ينقص من عذوبته وحلاوته أو يشكك في صحته وسلامته .
كما كانوا للهدى مصابيح وللخير مفاتيح وللحياة أملاً لا يذبل ورجاء لا يزول وثقة لا تنتهي وتفاؤلاً غير محدود .
وبجانب هذا كانت لديهم عقيدة لا تفل وعزيمة لا تمل وإيمانًا لا يمحى وخلقًا أرحب ، من الحياة التي يعيشونها .
وكيف لا تكون تلك أخلاقهم وهم دعاة لأمة وقادة لدين وحراس لفضيلة .
وإن تعجب فعجب لهذا الدين الذي حول هذه الأمة وأخرجها من وهدتها وأنقذها من عثرتها فسمت به وسمقت وارتفع قدرها وعز جانبها .
وكان كل هذا بفضل الدين الذي قاد ركب الحياة قويًا عارمًا يمكن للحق ويرفع لواء الفضيلة آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر .
والإسلام إذ يأمر بالمعروف ويحض عليه وينهى عن المنكر ويحذر منه إنما يهدف من وراء ذلك أن يتخذ من أبنائه حمى وموئلاً ووسيلة إلى نصرة الإنسان على الشيطان ونجدة وإنقاذًا له من وهدات الطغيان والبهتان .
لأن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوزًا للأمة ونصرًا لها وفلاحًا لجماعاتها ؛ إذ هو الميزان المستقيم والصراط القويم التي ترجع إليه كفة الناس إذا انحرفت وتتحاكم إليه النفوس إذا تنازعت ، وتثوب به الأرواح إلى ربها إذا حادت وكيف لا يكون كذلك وهو صفة من الصفات الأساسية في الإسلام .
( يتبع ) .