استدراك على مقال

2- استدراك على مقال :
الحج في الكتاب والسنة
بقلم الأستاذ محمد سليمان محمد عثمان
وعدنا في عدد محرم الماضي أن نعرض للأحاديث التي أوردها الأخ الكاتب ، في موضوع النزاع ، ونتبعها بالنقد ، ونبين ما فيها من ضعف ونكارة ، وأنها لا تساوي شيئًا عند المحققين الحفاظ من أئمة الحديث .
ولكن يجدر بنا قبل ذلك أن نقدم بين يدي البحث نماذج من سلوك القوم وهديهم وما كانوا عليه من تجريد التوحيد وإحاطتهم إياه بسياج من الحذر والتحفظ من أن يدنس بشائبة من شوائب الشرك وإن قل ، أو يورطوا أنفسهم في ذريعة من ذرائعه فينفذ عنها الشيطان إلى قلوبهم .
ولنكتف الآن من هذه النماذج بمثالين فإننا لو ذهبنا نتتبع الأمثلة التي ذخرت بها كتب السنة لضاق بنا المقام ولم تتسع لها صفحات المجلة المحدودة ولا غيرها من عشرات الصحف . وحسبي الآن أن أرشد من أراد أن يتتبعها في مظانها من الكتب المعتبرة الصحيحة .
والمثال الأول هو ما صح عن مالك رحمه الله ، وقد أشرنا إليه في مقالنا السابق ، وسنتناوله هنا بشيء من الإيضاح والتفصيل وهو ما ذكره القاضي عياض وغيره عن مالك أنه كره أن يقال زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال مالك في المبسوط أيضًا : ولا بأس لمن قدم من سفر أن يقف على قبر النبي ( ويدعو له ولأبي بكر وعمر . قيل له فإن ناسًا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك مرة أو أكثر ، وربما وقفوا في الجمعة أو الأيام المرة والمرتين . أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة . فقال لم يبلغني هذا عن أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك .
والمثال الثاني : هو ما جاء عن علي بن الحسين ، أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ( فيدخل فيها فيدعو فنهاه . فقال ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ( قال : لا تتخذوا قبري عيدًا ، ولا بيوتكم قبورًا فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم . وفي لفظ وصلوا علي حيث ما كنتم فإن تسليمكم يبلغني . ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء .
فهذا علي بن الحسين زين العابدين وهو من أجل التابعين علمًا ودينًا . حتى قال الزهري : ما رأيت هاشميًا مثله . وهو يذكر هذا الحديث بإسناده ولفظه : لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا وصلوا علي حيث ما كنتم فإن تسليمكم يبلغني ” . وهو حديث مشهور في سنن أبو داود ، ورواته ثقاة مشاهير .
فمن كلام هذا السيد الجليل زين العابدين ابن الحسين رضي اللَّه عنه وعن أبيه وعن جده وما جاء قبل ذلك من قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه اللَّه تعالى يعلم أنه لم يكن أحد من سلف هذه الأمة في عصر الصحابة ولا التابعين ، ولا تابعي التابعين يترددون على قبر النبي ( يتحرون عنده الدعاء والصلاة كما يفعل ذلك الغلاة في هذا العصر بل إن التردد على قبره وتحري الصلاة والدعاء عنده من المنكرات والبدع التي أحدثها المتأخرون ، فلو أن إنسانًا ذهب إلى المدينة فقصد المسجد فبدأ عند دخوله المسجد بالصلاة والسلام على رسول الله كما هو أمره ( عند دخول المساجد ثم صلى ما قدر له وأكثر من الدعاء والصلاة على رسوله والدعاء لصاحبيه ، حيثما كان في المسجد ثم انصرف مصليًا مسلمًا على رسوله دون أن يذهب إلى القبر لما أنكر عليه ذلك إمام يعتد به من أئمة المسلمين ، ولما رماه أحد بالجفاء لرسوله كما جاء في الحديث المكذوب المختلق .
وتأمل قول الإمام مالك : لم يبلغني هذا عن أهل العلم ببلدنا وتركه واسع . تزدد يقينًا بما قلت .
وقوله : لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها . دليل على أن الفساد المستشري في البلاد والخرافات التي امتلأت بها أدمغة الكثيرين حتى صارت حجابًا دون فهم الدين ، على ما كان عليه سلف الأمة إنما هو انحرافهم عن الطريق القويم ، والمنهج المستقيم الذي رسمه رسول الله ( .
ومن المثالين السابقين نعلم أن السلف من الصحابة والتابعين إنما امتنعوا عن التردد على قبره ( ، لتحذيره عن ذلك بقوله : ” إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ” .
وقوله : ” اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . فلو كان هذا معروفًا عندهم لما أنكره مالك ولا أنكره زين العابدين بن الحسين رضي اللَّه عنهما .
ومن هنا نعلم كذب الحديثين اللذين أوردهما الكاتب في مقاله ، وأن هذا الذي شاع بين المتأخرين من العكوف على المشاهد وتحري الدعاء عندها واتخاذها عيدًا ومساجد إنما هو من عمل الشيطان يستدرج به أولياءه ليوقعهم في حبائله ، والعجب أن الكاتب الفاضل اعترف بضعف الحديثين في خطاب خاص بعث به إلى بعض الإخوان .
واستدرك ذلك وقال : ولكن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال ..
ونقول للكاتب الفاضل : إن العلماء الذين قالوا : يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لم