ابن عربي.. والدفاع عن الباطل
بقلم محمد عبد الله السمان
-1-
منذ أسابيع كنت في السودان، فدفع إليَّ بعض الأخوة من جماعة أنصار السنة المحمدية بعض الصحف السودانية، فإذا فيها مقالات، يدافع فيها أصحابها عن ابن عربي دفاعاً حاراً، لم يخل من الانفعالات والتشنجات، والقصة بدأت بمقال في جريدة ((الأيام))في الخامس من مارس الماضي للكاتب السلفي الأستاذ التيجاني سعيد تحت عنوان: ((طعموا أولادكم ضد هذا الرجل)) يعني ابن عربي، ولم يسعدني الحظ بقراءة المقال، ولكني عرفت فحواه من خلال الردود الثلاثة عليه، والتي حصلت عليها، وأمعنت النظر في كل سطر من سطورها.
ولقد اتضح لي أن الكاتب السلفي لم يتجن علي ابن عربي، ولم يقل غير الحق، ولكن سرعان ما انهالت المقالات على جريدة الأيام تتصدى لما كتبه الأستاذ التيجاني، وتحمل عليه دون هوادة أو رفق، وقد تخلل بعضها ما يجافي المنطق والمنهج الموضوعي في الجدل والنقد. كما تخلل البعض الآخر التعبير عن الحق الذي يراد به الباطل، والاتجاه الأخير أصبح رائجاً وشائعاً لدى الذين يراءون بعض الناس بالدفاع عن التصوف والمتصوفة.
في العدد الصادر في 13/3/1980 من جريدة الأيام مقالان للرد على مقال الأستاذ التيجاني، الأول بقلم الأستاذ حيدر أحمد خير الله، والآخر بقلم الأستاذ عصام عبد الرحمن، ولنبدأ بالمقال الأول، وعنوانه: حول يوميات: طعموا أولادكم ضد هذا الرجل – رفقاً بشبابنا من هذا الرجل)) والكاتب يأخذ على الأستاذ التيجاني دعوته في مقاله إلى حرق كتب ابن عربي، لأنها – كما عرفها – بلاء لا يطاق، وآفة ظلت تنخر في كيان الأمة الإسلامية، حتى أصابتها بالشلل والكساح.. أما بالنسبة للدعوة إلى حرق كتب ابن عربي، فإنها دعوة تحتاج إلى نظر، لأن حرق الكتب ليس هو الحل الأمثل، بل الحل الأمثل هو تجميد هذه الكتب حتى لا تبعث فيها الحياة مرة أخرى، وأما أن كتب ابن عربي بلاء لا يطاق.. إلى آخره، فهذا حق لا يماري فيه إلا كل قاصر عن إدراك أصالة الفكر الإسلامي.
ونحن هنا نتحاشى الدفاع عن الأستاذ التيجاني فيما وجهه إليه الكاتب من نقد ذاتي، ولا يمت إلى الموضوعية بصلة، لأنه من ناحية نحس بأن الأستاذ التيجاني ليس عاجزاً ولا قاصراً عن الدفاع عن نفسه، ولأنه من ناحية أخرى، نحن نهتم بالمناقشة الموضوعية التي ترتبط بأصل القضية التي نحن بصددها، وهي فكر ابن عربي، أو ما أثارته هذه القضية من قضايا تتصل بها، فمثلاً أثار الناقد مسألة (الوصاية) وطنطن بها، واعتبرها اتهاماً للكاتب، وقد عبر عنها بقوله: (الوصاية التي يمارسها دعاة التفكير السلفي باسم الدين في وقت أحوج ما تكون فيه إلى طرح المذهبيات وعبرة التاريخ الباقية: أن ليس هناك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على أفكار الآخرين.. إلى أن قال: فلكل شاب وشابة، طالب الأستاذ تيجاني بتطعيمه، أن يقوي بنيانه، وينهض في مناهضة هذا العبث الذي يقوده أُناس ظلوا – مع أنفسهم لا مع الحق – ينشرون جهالاتهم ويطالبون الناس بالتزامها.. فلتطرح القناعات في غير وصاية، وإن الحق بين، وإنه لمنصور بإذن الله، فلا مجال للباباوات في الإسلام، قبل اليوم وبعد اليوم…)).
ولسنا ندري من أين للناقد المبجل أن دعاة التفكير السلفي يمارسون الوصاية على الناس؟ الوصاية بمفهومها الضيق الساذج.
إن دعاة التفكير السلفي يمارسون أداء فريضة من فرائض الإسلام، هي الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، امتثالاً لقوله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))[آل عمران: 104].
إن هؤلاء القوم السلفيين رائدهم الكتاب والسنة، ومنهجهم تصحيح العقيدة في مواجهة الانحراف الصوفي، ومثلهم الأعلى ما كان عليه رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه – وأصحابه والسلف الصالح من بعدهم، قبل أن تتسرب إلى الفكر الإسلامي الأصيل لتشوهه معتقدات الفرس والهندوكية والبوذية، والأفلاطونية الحديثة، وما إليها من المعتقدات التي تولى كبرها وروج لها القرامطة، ومن كانوا امتداداً لها كابن سبعين والبسطامي والحلاج، وابن عربي وابن الفارض وغيرهم.
والعجيب ما ورد في مقال الناقد موجهاً إلى الكاتب: ((أما ردك بأن الإسلام يفرض علينا زهق الباطل متى ثبت بطلانه، فمن ذا الذي يملك بطلان فكرة من الأفكار؟ ومتى ثبت بطلان فكرة ((الشيخ الأكبر))؟ يا أخانا الناقد المبجل: إن الذي يملك بطلان فكرة من الأفكار هو كتاب الله وسنة رسوله، فكتاب الله يقول: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)[النساء: 59] ورسولنا الكريم يقول لنا: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنة رسوله)) أما ادعاؤ