إلى الإسلام من جديد
بقلم على محمد قريبه
– 2 –
علاج الغثائية
لابد لكي نعالج مرض الغثائية الذي أصبنا به معشر المسلمين في زماننا هذا من أن نعيد الوزن الإيماني للفرد المسلم بأن يلتزم بالقرآن الكريم منهجا وسلوكا وتشريعا وبالسيرة المطهرة تطبيقا وآدابا وذلك يتطلب ثلاثة أمور
الأمر الأول
توحيد الله تبارك وتعالى بالعبودية ونبذ عبادة كل ما سواه ومن سواه من الآلهة المزعومين والأرباب المزيفين سواء من البشر أم من الجن أم من عوالم المخلوقات العلوية والسفلية لأن عنوان الإسلام هو تلك الكلمة العظيمة التي هي أفضل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله (لا إله إلا الله) وأول وصية في القرآن وأول مبدأ بايع عليه الرسول الكريم كل من اعتنق دين الإسلام أن (اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)[36 النساء] وأول ما دعا إليه رسول الإسلام ملوك الأرض هو هذه القضية الكبرى أن يعبدوا الله وحده لا شريك له
ومن هنا كان رسولنا صلوات الله وسلامه عليه يختم رسائله إلى النجاشي وقيصر وغيرهما من الملوك بالآية الكريمة من سورة آل عمران (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[64 آل عمران] وكان تأكيد القرآن على أن هذه الدعوة هي دعوة الرسل جميعا إلى أقوامهم وصدق الله العظيم (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[36 النحل] وصدق الله العظيم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[25 الأنبياء]
كما أن الإسلام شدد حملته على الشرك وحاربه بكل سلاح واعتبره الشيء الذي لا يغفر وصدق الله العظيم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[116 النساء] وفي الحديث القدسي [يابن آدم انك لوأتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة] وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال [ومن لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار] كما قال [اتقوا الشرك فإن الشرك أخفى من دبيب النمل] وعلمنا أن نقول صباحا ومساء [اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه] وذلك يقتضى من الذرائع المفضية إلى الشرك لدرجة أن نبينا صلوات الله وسلامه عليه يرفض في شدة وصراحة كل مبالغة في تعظيمه تظهره في غير مظهر العبودية لله سبحانه فيقول لأصحابه [لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله] ويروي النسائي عن ابن عباس أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال [أتجعلني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده]
ومن سد الذرائع المفضية إلى الشرك عدم اتخاذ القبور مساجد لدعاء الرسول الكريم [اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد] وعدم تقديس مكان أوشيء من مخلوقات الله سد للذرائع أيضا فهذا عمر ابن الخطاب يرسل من يقطع شجرة الرضوان التي بايع الرسول تحتها أصحابه يوم بيعة الحديبية لهذا الغرض نفسه وعدم الحلف بغير الله وعدم الذبح أوالنذر إلا لله كل ذلك من الأمور التي ينبغي أن يراعيها المسلم ليتقي الشرك الخفي وليتجنب الطواغيت المادية والمعنوية ليكون إسلامه خالصا لله رب العالمين وطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أويعبدونه من دون الله أويتبعونه على غير بصيرة من الله أويطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله وهذا المعنى هو الذي كان يقصده الصحابي الجليل ربعى بن عامر وهو يجيب على سؤال رستم قائد الفرس حين قال له [ما
الذي جاء بكم ؟] فقال له ربعى [الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام] وحينئذ تكون غاية المسلم واضحة في حياته تدور عليها أفكاره وتتجه نحوها أعماله وتتركز عليها آماله ومتى سمت وارتفعت هذه الغاية صدرت عنها أعمال سليمة مجيدة وحمت صاحبها من التأرجح يمينا أوشمالا لأن الإسلام قد جاء لصلاح النفوس واستقرارها وتزكيتها والعلو بها إلى غاية الكمال الإنساني الممكن لها ولقد أوضح الله تبارك وتعالى تلك الغاية فقال (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)[50 الذاريات] وقلب المؤمن هو الحصن الحصين الذي لا يفتح أبوابه إلا بإرادته بعد إرادة الله الذي خلقه ورزقه والذي إليه المرجع والمصير والذي منه النصر