إلمامة سريعة بأبرز معالم
الشرك باللَّه وعلائقه ومشتقاته
بقلم: فضيلة الشيخ محمد محمد أبو علو
– 2-
ثالثًا: الشرك باللَّه وعلاقته بالنية والقصد والإرادة:
قد رأينا في أول المثلين السابقين كيف كانت عبادة بعض الناس للشمس وهي الجماد المسخر من عند اللَّه إشراكًا منهم لها مع اللَّه في بعض حقه عليهم، إما لجهلهم بقدره أو لقلة تصديقهم بحقه، أو لعدم إخلاصهم لدينه. كما رأينا في المثل الثاني كيف كانت عبادة بعض ضعفتهم وجهلتهم لبعض طواغيتهم وسادتهم إشراكًا منهم لهم مع اللَّه كذلك سواء من حيث تعلق قلوبهم بهم وحبهم ورجائهم فيهم، أو من حيث خوفهم منهم واتقائهم إياهم مثل وبنفس القدر الذي لله عليهم في ذلك أو بدلاً منه أو زيادة عنه.
وكما قد علمنا أن من قوم فرعون وأمثالهم من كان يرفض ألوهيته وربوبيته المزعومة وأمثاله وإن اتقى سطوته والتعرض لانتقامه بمداراته له كصاحب موسى المتقدم ذكره، بل إن موسى نفسه وأخاه هارون عليهما السلام خشيا من تعرضهما لغضبه إذ {قالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى} كما {أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} لما رأى من تخييل سحرة فرعون له بسحرهم وخاف من انتقام فرعون منه إن هم غلبوه على أمره. وإنما يختلف هذا الخوف عن سابقه لقيامه على مقتضى الطبع والفطرة بينما يقوم السابق على انحرافات الشرك وغلبة سلطان الوثنية المادية علىالروحية الإلهية عند المصابين بها. وقد أذن اللَّه لعباده الصالحين في مثل هذه المواقف أن يتقوا أذى ظالميهم الأقوى منهم بمثل قوله: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}، وقوله: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} يعني فإنه لا إثم عليه فيما يأتي أو يذر من مظاهر الكفر والشرك حال إكراهه على ذلك لدفع مالا قدرة له على تحمله من الأذى عن نفسه ما دام مؤمنًا بقلبه.
وفي مقابل هؤلاء جعل اللَّه مؤاخذته المنافقين المرائين لجماعة المسلمين على خداعهم لهم ومراءاتهم إياهم أمرًا محققًا وهو ما نراه هنا باسم شرك النية والقصد والإرادة، وهو الركن الثاني من أركان الشرك باللَّه بعد شرك القلب والغيب والعقيدة المتقدم، وإنما اعتبرنا النفاق والرياء مظهرين لشيء واحد هو النفاق أولاً بمعنى قصد خداع المسلمين وتضليلهم عن حقيقة وضعهم، كما أن مراءاتهم وإظهارهم بعض ما يحب المسلمون منهم هو الرياء ثانيًا، وقد جمع اللَّه الوصفين معًا في قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
رابعًا: الشرك باللَّه وعلاقته بالقول والعمل والسلوك:
قال اللَّه تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ} أي إلا ليحققوا إلى جانب عبادتهم الجبلية التسخيرية منهم لي كسائر الكائنات الأرضية عبادتهم الإرادية الاجتهادية متمثلة في تعلق قلبهم بي وقصدهم إلى، وهما الركنان السابق ذكرهما من أسس العبادة،، ثم هذا الركن الثالث والأخير والمكمل لها مجتمعة ونعني به ركن القول والعمل والسلوك، ومعنى ذلك أن لا ينطق العابد إلا بما يرضي اللَّه عنه، وألا يعمل أو يترك إلا ما يكون كذلك، ولكن لأن مشيئة اللَّه مضت بأن يبتلي الناس ضمن ما ابتلاهم به في حياتهم الدنيا بغفلات الخاملين وشهوات الجامحين وشبهات الحائرين، ولم يرد أن يكونوا جميعهم طول حياتهم وفي كل أوقاتهم ذاكرين له مستحضرين لعظمته شاكرين دائمين لأنعمه مدركين تمام الإدراك لفضله وحكمته كملائكته وصفوته من عالم الروح والملأ الأعلى من خلقه، فقد اقتضت رحمته بهم أن يعفو لهم عن كثير، وألا يكلفهم فوق ما يطيقونه إذ هو القائل: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}، {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} كما قال نبيه صلى الله عليه وسلم : ” إن اللَّه حد حدودًا” يعني أوجد فواصل تفرق بين الحلال والحرام ” فلا تعتدوها” أي فلا تتخطوا ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم ” وشرع شرائع” كلف بعبادات ” فلا تضيعوها” تهملوها وتعطلوها ” وسكت عن أشياء” مباحات كثيرة ” رحمة” لطفًا ورفقًا ” بكم غير نسيان” منه لها ” فلا تسألوا عنها” تشددًا منكم على أنفسكم حتى لا يشدد اللَّه عليكم بسبب ذلك وقد علمنا أن ما أباحه اللَّه لنا أكثر بكثير مما كلفنا بفعله أو منعنا من إتيانه.
وإنما علينا هنا أن نتمثل معنى شرك كل من القول أو العمل أو الشرك باللَّه لنحذره ونتقيه فدعاؤك غير اللَّه لما لا يقدر عل