فقرات من رسالة:
أيهما أحق
بقلم الأستاذ السعيد الشرباصى
الجامعة الإسلامية- دار الحديث بمكة المكرمة
يقول مؤلف الرسالة في الرد على الدكتور عبد الحليم محمود في كتابه الغريب ( السيدأحمدالبدوي) .
سألت نفسي أيهما أجدر بالاهتمام أن نكتب للناس لنبصرهم بأركان الدين التي لا يختلف فيها مسلمان؟ أم نكتب لهم لنزيدهم إنحرافا وبلبلة عن جادة الطريق؟
ثم ما هو المطلوب من العالم وماهي مهمته؟
هل واجبه تذكير الناس بحقائق الإيمان ومبادئ الحق وأصول العلم؟ أم أن مهمته أن يأخذهم إلى متاهات الظلمات والخرافات وعباب الأوهام والخلافات؟..
أحب أن أحتكم إلى العقلاء وأترك لهم الجواب سائلا:
أيهما أقرب إلى الصواب الالتزام بالنص أم الانحراف عنه؟
وأيهما أقرب للتقوى الالتزام بالحق الواضح أم العدول عنه؟
وأيهما أوضح إلى الغاية الطريق المستقيم أم الطريق المبهم؟
وأيهما أعدل التمسك بنهج الشريعة والاستقاء من منبعها الأول أم الاعتماد على النزعات الفردية ، والشطحات الخيالية والميول الذاتية؟
إن رجال المرور أنفسهم يقولون: ان الخط المستقيم هو أقرب موصل إلى الهدف . ويقولون: ان شعاع الضوء يمضي في طريقه الصحيح إلا إذا تدخل فيه دخيل فإنه ينكسر وينحرف .
فلماذا إذن الإنحراف عن سنن السنة وشريعة الشرع؟
وهل جاءت رسالة الإسلام مبهمة غامضة ملتوية معقدة؟ أم جاءت واضحة بينة صافية خالصة؟ وهل تركت شريعة السماء أمرها إلى متاهات التأويل والابهام والغموض والإنحراف والاجتهادات الشخصية والامزجة الفردية أم جاءت لتحارب كل هذا ، لتحارب التضليل والتلبيس، وتمحق تمتمة الكهان ، ونمنمة الرهبان ، ورطانة المدلسين ..؟!
إن رسالة السماء مبادئ لا نزعات ، وحقائق لا خيالات ، وسنة لا متاهة ، وشريعة لا ضلالة ، ووحدة لا فرقة . لقد جاءت لتوحيد المعبود وتوحيد المنهج وتوحيد الجنس البشري فلا سادة ولا عبيد ، ولا شيوخ ولا أتباع ، ولا أولياء ولا مريدين .
وركن الإسلام الأول والأصيل والعريض هو:
لا إله إلا الله محمد رسول الله .
… وطريق الهدي قصير . وسبيل الخير أصيل ، والمحجة واضحة ، والسلامة خير من التخبط، والاعتصام أقوى من الانحلال ، واليقين أثبت من الشك ، والمواجهة خير من المحاورة ، والنظر إلى الخالق أحق من النظر إلى الخلائق.
أما من أراد أن يدلس بليل . فما عليه إلا أن يترك الأصل ويعدل عن الوضوح إلى الخفاء ، وينساق مع الوهم وينغمس في حلقة هيام، ورقصة انجذاب ، وصيحة وجدان ، وصرخة انعدام ، وينسى بيت الله فلا يدخله ،ونداء الله فلا يستجيب له ويؤثر على ذلك كله دعوة المخلوق ، ويمشي إلى بيت الشيخ في غسق الليل ، وإلى خلوة أو فلاة أو مغارة أو مقبرة ،وينسى مقالة القرآن والسنة ويتابع المدعين والمغرضين والتائهين في سراديب الأوهام ودروب الخيال والضلال .
أما العقلاء فإن جاءهم مخلوق أو شيطان في زي نبي أو ملاك بما لم يأت به قرآن أو سنة رفضوه وردوه. وقالوا: هذا تغرير وتضليل ينتهي إلى الإنحراف والضلال ، ويبعد المسلم عن سبيل الهدي والرشاد..
ثم ماهو مفهوم العبادة الحقة؟
أليست هي الطاعة المطلقة . وأليست الطاعة المطلقة هي التزام الأمر كماجاء والنص كماورد … فالشريعة لها حدود ( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون).
والذي يحدث هنا وفي كل مكان أن فريقا من الناس ينسون هذه الحقائق عندما تعصف بهم الأهواء ، وتلعب بهم الأوهام ، ويصابون بالضعف ويتعرضون للجهل وللخداع وللتغرير فينسون الله جل وعلا وهو وحده الفعال لمايشاء ويتعلقون بأوهى الأسباب ، وينحرفون عن طريق الرشاد ، وبدل أن يقولوا يا رب يقولون: ياعبد.
وما أشبه هؤلاء المتخبطين في الظلام بنفرمن الغرقى يسبحون في تيار الموج وبدل أن يمدوا أيديهم ليمسكوا بالحبل الأصيل للنجاة ، يلتمسون سواعد من حولهم من ضعاف أمثالهم فيتعلقون بهم .
وما طريق النجاة عنهم ببعيد .
وأنه لأقرب إليهم من حبل الوريد .
ولكنهم يتركون الأصل ويعدلون عنه إلى الغصن ، وكان الأولى بهم الاستمساك بحبل الله المتين ، ولا يضمون إليه سواه ، ويؤملون الرجاء منه ، ويتوجهون بالسؤال إليه وحده ..
وباسم حسن النية ترتكب الآثام والموبقات ، وتستباح المحظورات والمحرمات (والطريق إلى الهاوية مفروش بالنوايا الحسنة) وكم من أسر تمزقت لأنها سمحت لأجنبي باقتحام حريمها بحسن نية فطعنها ومزق حماها.
وحسن النية تصحيح للعمل عند الله ، ومدار الجزاء والقبول في الآخرة ، والله هو المطلع على النوايا ،وهو وحده الرقيب الحسيب. أما صحة العمل في الدنيا فمرهون بشروطه وأصوله ، وقواعده وظواهره ومرجعها هو الشرع الحكيم لا الشيخ العبيط !
فلو بقيت من الغروب إلى الشروق تتراقص بذكر أو دعاء أو تسبيح ، وقلبك متيم ولهان ، وعقلك في وجد وهيام ولم تصل المغرب ولا العشاء ولا الصبح فأنت تارك الصلاة ..
ولو نظرت إلى أجنبية أو وضعت يدك عليها فأنت مستحق للتعزير مهم