أيها المسلمون اعملوا
بقلم: الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
في القرآن الكريم آية استرعت انتباهي هذه الأيام وفرحت بها فرحاً كبيراً، لأني وجدت فيها أملاً عظيماً في فوزنا إذا عملنا، ووجدت فيها ضماناً من الله سبحانه وتعالى لنا بأن أعداء الإسلام دائماً سيكونون على التخاذل أمام مدنا وأمام قوتنا، فإن الله سيسلطهم بعضهم على بعض، ويغري بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وفي هذا بشارة لنا بأننا إذا أقدمنا على العمل من أجل عزة الإسلام والمسلمين، فإنه سيتخطى كل المعوقات التي يتصدى لنا بها أعداء الإسلام من أجل تعويق مسيرتنا، وأنهم دائماً بهذا التفرق والتخاذل، وإيقاد نار العداوة الدائمة بينهم، سيبطل كل سعي لهم يحاولون به إضعافنا أو إيقاف تقدمنا. وفي هذا حفز لهمتنا، وإثارة لنشاطنا في العمل من أجل عزة الإسلام وسعادة المسلمين.
هذه الآية: هي قوله تعالى: ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) [المائدة:14].
وهذه الآية الكريمة قد أعطتني أملاً قوياً هذه المرة وأنا أقرؤها في أن الله سبحانه سينصرنا دائماً إذا اتجهنا إليهم بالغزو في سبيل الله ومن أجل نشر دين الله، فكأن ما فيها من إغراء العداوة والبغضاء بينهم، نداء علينا، بأن نقدم ولا نحجم، وأن نسير في طريقنا ولا نخاف.
فهي قد بينت أن هؤلاء قد كتبوا على أنفسهم الطرد من رحمة الله، وإعراض الله عنهم، بإخلالهم بميثاقهم معه، ونسيانهم ما قد تعاهد معهم عليه من الإيمان برسل الله جميعهم والعمل بشريعته. فنقضوا هذا الميثاق، ونسوا الحظ الكبير مما ذكروا به، وهو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهم بهذا قد وضعوا أنفسهم موضع الخذلان، وعرضوا أنفسهم أيضاً لتخلي الله عنهم، بل وعقابهم على ذلك في الدنيا والآخرة. وقد عاقبهم الله في الدنيا، بهذه العوامل التي تتعارض مع نصرتهم على المسلمين، أو أن يكون لهم غلبة أو عزة عليهم، والتي من شأنها دائماً أن تعوقهم عن الوصول إلى المجد بما هو مجد.
هذه العوامل هي ما أعلنه الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ((فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) [المائدة:14]. وفي هذا يقول الشيخ (ابن الخطيب) في أوضح التفاسير: «فترى النصارى، وقد انقسموا إلى فرق متعددة: كاثوليك، وأرثوذكس، وبروتستانت، كل منهم له شريعة خاصة، ونظام خاص، وتراهم دائمي الخلاف في كل صغيرة وكبيرة» ثم يشير إلى الحرب العالمية الأولى والثانية كمظهرين لهذا الإغراء فيقول «وترى الأمم الغربية – وهم أبناء دين واحد – وقد تفنن بعضهم في إهلاك بعض هلاكاً تشيب من هوله الولدان، فمن مخترع للقنبلة الذرية على مخترع للهيدروجينية، إلى مصمم لقنبلة الكوبالت، إلى ما لا نهاية له من صنوف الإيذاء والبلاء الذي لا يوصف، وبذلك حق عليهم الإغراء، فهم أبد الدهر في شحناء وبغضاء».
ومن قبل قال الزمخشري في الكشاف (فَأَغْرَيْنَا ) فألصقنا، وألزمنا من غرى بالشيء إذا لزمه ولصق به، ومنه الغراء الذي يلصق به (بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) بين فرق النصارى المختلفين. وفي ذلك يقول تعالى: ((وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) [الأنعام: 129] – ويقول أيضاً (…أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)) [الأنعام: 65]- وأقول: إن هذا هو نص وقوله تعالى: ((فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) [المائدة:14]: فهذا التشقق في العقيدة وفي المذاهب فيما بينهم، هو من رحمة الله بالمسلمين، لأن هذا التشقق والتفرق، كفيل بأن يقعدهم دائماً دون الوحدة الكاملة، وكفيل دائماً أن لا يجعل للتأليف بين قلوبهم سبيلاً إليها. ذلك التأليف الذي خص الله به المسلمين، وعصمهم من هذا الإغراء بالعداوة الذي رمى به أعداءهم.
فهم بهذا مهما تظاهروا على المسلمين، فقلوبهم شتى، ينهارون ويتفرقون، فالإيمان لم يثبتهم، وإنما زعزعهم الكفر، وفرق بين قلوبهم.
وهذه هي حالهم اليوم وفي كل يوم، كما قال تعالى: ((((فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) [المائدة:14]، فمهما بذلوا من وسائل التبشير،ومهما قدموا من أسباب الصد عن دين الله، فإن المؤمنين بتوادهم، واتحادهم، وقيامهم لحربهم، لا بد وأن ينصروا، كما قال تعالى: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ .)) [الحج:40]
وإغراء العداوة والبغضاء بينهم هو ما كتبه الله على المسلمين أمامهم في قوله: ((وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ ا