أضواء على رواة الحديث
أبو هريرة
أبو هريرة رضي اللَّهُ عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، قيل كناه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأبي هريرة لهرة كان يحملها.
أسلم عام خيبر سنة سبع، وكان عريف أهل الصفة ( الصفة مكان مظلل مقتطع من المسجد وكان أهل الصفة يقلون ويكثرون إلى 400.
الذين كانوا في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكانوا قومًا لا يأوون إلى أهل أو مال ولا يلهيهم شيء عن ذكر اللَّه، يتدارسون القرآن ويروون السنة ويتعلمون الأحكام. كان أبو هريرة فقيرًا كهؤلاء، يصوم النهار ويقوم الليل، صابرًا محتسبًا. دعى له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ فكان حافظ الصحابة، ولازم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله لعدم شغله بشيء من الدنيا، قال عنه الشافعي ( أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ).
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي بن كعب وأسامة بن زيد وعائشة وغيرهم. وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من الصحابة والتابعين، منهم علماء الصحابة كابن عباس وابن عمرو وجابر وأنس، ومنهم علماء التابعين كابن المسيب وابن سيرين وعكرمة ومجاهد وعطاء والشعبي. وكان في الحفظ والضبط بمكان كبير، قال سالم أبو الزعيزعة مولى مروان بن الحكم وكاتبه ( إن مروان بن الحكم دعا أبا هريرة فأقعده خلف السرير، فجعل يسأله وجعلت أكتب، حتى إذا كان رأس الحول دعا به فأقعده وراء الحجاب فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر ) وفي رواية ( فما غير حرفًا عن حرف ).
وقد طعن في أبي هريرة جماعة من غلاة الشيعة ومن المعتزلة ومن الملاحدة، واغتر بقولهم جماعة من المعاصرين من المسلمين والمستشرقين، واستدلوا لطعنهم في أبي هريرة بما يأتي:
1- أن عمر بن الخطاب أنكر عليه رواية الحديث وتوعده على ذلك.
والجواب عن ذلك: أن هذا كان من عمر لأبي هريرة ولغيره أيضًا، لأنه كان يتشدد في الرواية ويحمل الناس على الإقلال منها، حتى أنه كان لا يقبل رواية الراوي إلا إذا شهد معه آخر بأنه سمعها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك لتهمته في دينه، وإنما لصيانة السنة من الخطأ والنسيان.
2- روى عن شعبة أنه قال: ( أبو هريرة يدلس ) وفسر ذلك بأنه يروي عن كعب وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا يميز هذا عن ذلك.
والجواب ما قاله بشر بن سعيد ( اتقوا اللَّه وتحفظوا من الحديث فواللَّه لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كعب، وحديث كعب عن رسول اللَّه ).
وهذا القول شاهد بأن التدليس ممن روى عن أبي هريرة وليس من أبي هريرة نفسه، وهذا لا يضره.
3- روى أن عليًا رضي اللَّهُ عنه أخبر أن أبا هريرة أكذب الناس، وأنه كان يأخذ جعلاً من معاوية لوضع الأحاديث في الطعن في علي، وكان يتقرب لمعاوية بمثل ذلك حتى ولاه إمارة المدينة.
والجواب أن ما روى عن علي في شأن أبي هريرة مكذوب لا صحة له، وهو من وضع غلاة الشيعة والمعتزلة، دعاهم إليه عصبيتهم الممقوتة، لأنه كان في نظرهم منحرفًا عن علي. وهؤلاء القوم نالوا من كثير الصحابة والتابعين لاتهامهم بانحرافهم عن علي.
* * *
وقد استدل الطاعنون في أبي هريرة بأمور أخرى هزيلة لا تعدم الرد عليها، ولا تنقص أبدًا من قدره ولا عدالته ولا ضبطه.
كان أكثر الصحابة رواية للحديث، فقد روى عنه 5374 حديثًا إلى أن توفي رضي اللَّهُ عنه عام 57 وروى أنه أوصى فقال: إذا مت فلا تنوحوا علي ولا تتبعوني بمجمرة وأسرعوا بي.
(التوحيد)
فايل 1-mg-7
3