أضواء على رواة الحديث
عبد الله بن عباس
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة، وهو ابن خالة خالد بن الوليد، كنيته أبو العباس بالنسبة لأكبر أولاده العباس.
ولد عبد الله بن عباس رضي اللَّه عنهما والنبي صلى اللَّه عليه وسلم وأهل بيته بالشعب من مكة، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين.
روى البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم دعا له أن يفقهه الله في الدين وأن يعلمه الكتاب والحكمة، وقد استجاب الله عز وجل دعوة رسوله.
يروي ابن الأثير عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عمر كان إذا جاءته الاقضية المعضلة قال لابن عباس: “إنها قد طرأت علينا أقضية وعضل، فأنت لها ولأمثالها.. ثم يأخذ بقوله، وما كان يدعو لذلك أحدًا سواه. قال عبيد الله “وعمر عمر” يعني في حذقه واجتهاده لله وللمسلمين.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: “ما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم من عبد الله بن عباس، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن، ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يومًا ولا يذكر فيه إلا الفقه، يويمًا التأويل، ويومًا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب، ولا رأيت عالمًا قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلاً سأله إلا وجد عنده علمًا.
وقال ليث بن أبي سليم: قلت لطاوس: لزمت هذا الغلام- يعني ابن عباس- وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم. قال: إني رأيت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم إذا تدارءوا(1) في أمر صاروا إلى قول ابن عباس.
وقال سعد بن أبي وقاص: “ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا ألب لبًا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا منه”.
روى أن نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر، خرجا في نفر من الخوارج يطلبون العلم، فدخلا مكة، فإذا بابن عباس عند زمزم يسأله الناس في التفسير وهو يجيبهم، فسأله نافع عن آيات في القرآن وعن كلمات فيها، فيقول له نافع: وهل تعرف العرب ذلك قبل أن ينزل الكتاب؟ فيقول له: نعم، وينشده بيتًا من الشعر، حتى شهد له هو وأصحابه وانصرفوا.
شهد- رضي اللَّه عنه- فتح مكة، وشهد حنينًا والطائف وحجة الوداع، وحج بالناس لما حصر عثمان، وشهد فتح أفريقية مع ابن أبي السرح، والجمل وصفين مع علي بن أبي طالب، واستعمله علي على البصرة، فبقى عليها أميرًا، ثم فارقها قبل أن يقتل علي.
وكان رضي اللَّه عنه يقوم من الليل ويرتل القرآن ويكثر من النشيج(2) ويقول: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.
وأصيب آخر حياته في بصره، فقال في ذلك:
إن يأخذ الله من عيني نورهما
ففي لساني وقلبي منهما نور
وتوفي رضي اللَّه عنه بالطائف سنة 68 وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وصلى عليه محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد بن الحنفية الذي قال بعد أن سوى عليه التراب: ( مات والله اليوم حبر هذه الأمة).
روى عن علي وعمر وأبي ومعاذ وأبي ذر وغيرهم.
وروى عنه عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وأخوه كثير بن عباس، وولده علي بن عبد الله بن عباس، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة بن الزبير، وطاوس، وغيرهم.
روى عنه- رضي الله عنه- 1660 حديثًا.
( التوحيد )
الهوامش
(1) تدارءوا: اختلفوا.
(2) نشج الباكي غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
فايل mg3
29